قوله : ارْجِعي إلى رَبّكِ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث ، تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها قالوا : وعُنِي بالردّ هاهنا صاحبها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً قال : تردّ الأرواح المطمئنة يوم القيامة في الأجساد .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فادْخُلِي فِي عبادِي وَادْخُلِي جَنّتِي يأمر الله الأرواح يوم القيامة أن ترجع إلى الأجساد ، فيأتون الله كما خلقهم أوّل مرّة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن عكرِمة في هذه الاَية : ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً إلى الجسد .
وقال آخرون : بل يقال ذلك لها عند الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ارْجِعي إلَى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً قال : هذا عند الموت فادْخُلِي فِي عِبادِي قال : هذا يوم القيامة .
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس والضحاك ، أن ذلك إنما يقال لهم عند ردّ الأرواح في الأجساد يوم البعث لدلالة قوله : فادْخُلِي فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنّتِي .
اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فادخلي في عبادي الصالحين ، وادخلي جنتي . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فادْخُلِي فِي عِبادِي قال : ادخلي في عبادي الصالحين وَادْخُلِي جَنّتِي .
وقال آخرون : معنى ذلك : فادْخُلِي في طَاعَتِي وَادخُلِي جَنّتِي . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن نعيم بن ضمضم ، عن محمد بن مزاحم أخي الضحاك بن مُزاحم : فادْخُلِي فِي عِبادِي قال : في طاعتي وَادْخُلِي جَنّتِي قال : في رحمتي .
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يوجّه معنى قوله : فادْخُلِي فِي عِبادي إلى : فادخلي في حزبي .
وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يتأوّل ذلك يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ بالإيمان ، والمصدّقة بالثواب والبعث ارجعي ، تقول لهم الملائكة : إذا أُعطوا كتبهم بأيمانهم ارْجِعي إلى رَبّكِ إلى ما أعدّ الله لك من الثواب قال : وقد يكون أن تقول لهم شِبْه هذا القول : ينوون ارجعوا من الدنيا إلى هذا المرجع قال : وأنت تقول للرجل : ممن أنت ؟ فيقول : مُضَريّ ، فتقول : كن تميميا أو قيسيا ، أي أنت من أحد هذين ، فتكون كن صلة ، كذلك الرجوع يكون صلة ، لأنه قد صار إلى القيامة ، فكان الأمر بمعنى الخبر ، كأنه قال : أيتها النفس ، أنت راضية مرضية .
وقد رُوي عن بعض السلف أنه كان يقرأ ذلك : «فادْخُلِي فِي عَبْدِي ، وَادْخُلِي جَنّتِي » . ذكر من قال ذلك :
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليمان بن قَتّةَ ، عن ابن عباس ، أنه قرأها : «فادْخُلِي فِي عَبْدِي » على التوحيد .
حدثني خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، عن هارون القاري ، قال : ثني هلال ، عن أبي الشيخ الهنائي : «فادْخُلِي فِي عَبْدِي » . وفي قول الكلبيّ : «فادْخُلِي فِي عَبْدِي ، وَادْخُلِي فِي جَنّتِي » يعني : الروح ترجع في الجسد .
والصواب من القراءة في ذلك فادخُلي في عِبادي بمعنى : فادخلي في عبادي الصالحين . لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، وأبو شيخ ، والضحاك ، واليماني ، ومجاهد ، وأبو جعفر فادخلني في عبدي ) ، فالنفس –على هذا- ليست باسم الجنس ، وإنما خاطب مفردة ، قال أبو شيخ : الروح تدخل في البدن ، وفي مصحف أبي بن كعب : " يا أيتها الآمنة المطمئنة ، التي إلى ربك راضية مرضية ، فارجعي في عبدي " ، وقرأ سالم بن عبد الله : " فادخلي في عبادي ولجي جنتي " . وتحتمل قراءة " عبدي " أن يكون " العبد " اسم جنس ، جعل عباده كالشيء الواحد دلالة على الالتحام ، كما قال عليه الصلاة والسلام :
" وهم يد على من سواهم " {[11822]} . وقال آخرون : هذا النداء إنما هو الموقف عندما ينطلق بأهل النار إلى النار ، فنداء النفوس على هذا إنما هو نداء أرباب النفوس مع النفوس . ومعنى ( ارجعي إلى ربك )- على هذا إلى رحمة ربك والعباد هنا الصالحون المتقون .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "ارْجِعي إلى رَبّكِ" اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث ، تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها قالوا : وعُنِي بالردّ هاهنا صاحبها ... عن ابن عباس ، قوله : "يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً" قال : تردّ الأرواح المطمئنة يوم القيامة في الأجساد ...
وقال آخرون : بل يقال ذلك لها عند الموت ...
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس والضحاك ، أن ذلك إنما يقال لهم عند ردّ الأرواح في الأجساد يوم البعث لدلالة قوله : "فادْخُلِي فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنّتِي" .
["فادْخُلِي فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنّتِي"] اختلف أهل التأويل في معنى ذلك؛
فقال بعضهم : معنى ذلك : فادخلي في عبادي الصالحين ، وادخلي جنتي ...
وقال آخرون : معنى ذلك : فادْخُلِي في طَاعَتِي وَادخُلِي جَنّتِي ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
"فَادْخُلِي فِي عِبَادِي" أي: انضمي إلى عبادي المقربين ، وهذه حالة شريفة ، وذلك لأن الأرواح الشريفة القدسية تكون كالمرايا المصقولة ، فإذا انضم بعضها إلى البعض حصلت فيما بينها حالة شبيهة بالحالة الحاصلة عند تقابل المرايا المصقولة من انعكاس الأشعة من بعضها على بعض ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم بيّن ما أجمل من الرجوع فقال سبحانه : { فادخلي } أي بسبب هذا الأمر { في عبادي } أي في زمرة الصالحين الوافدين عليَّ ، الذين هم أهل للإضافة إليَّ ، أو في أجساد عبادي التي خرجت في الدنيا منها ...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
أي في زمرتهم وهم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
المقربين المختارين لينالوا هذه القربى . ...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
الذين اختارهم الله لنفسه ليكونوا جنده الغالبين ، وحزبه المفلحين ، وأولياءه المطيعين . ...