ثم ذكر - سبحانه - الدليل الثالث على إمكانية البعث ، وعلى كمال قدرته - تعالى - فقال : { أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } .
أى : وأخبرونى - أيضا - عن الماء الذى تشربونه ، أأنتم الذين أنزلتموه من { المزن } أى : من السحاب أم نحن الذين أنزلناه ؟
لا شك أننا نحن الذين أنزلناه ، ولا تستطيعون إنكار ذلكن لأن إنكاركم لذلك يعتبر نوعا من المكابرة المكشوفة ، والمغالطة المفضوحة .
وتخصيص هذا الوصف ، وهو { الذي تَشْرَبُونَ } بالذكر ، مع كثرة منافع الماء ، لأن الشرب أهم المقاصد التى من أجلها أنزل - سبحانه - الماء من السحاب .
وقوله - سبحانه - : { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً . . } بيان لمظهر من مظاهر رحمته - سبحانه - .
ومفعولى المشيئة هنا وفى ما قبله إلى قوله { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً . . . } محذوف ، للاكتفاء عنه بجواب الشرط .
والماء الأجاج : هو الماء الشديد الملوحة والمرارة فى وقت واحد .
أى : لو نشاء أن نجعل هذا الماء النازل من المزن لشربكم ، ماء جامعا بين الملوحة والمرارة لفعلنا ، ولكنا لم نشأ ذلك رحمة بكم ، وفضلا منا عليكم .
وقوله : { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } حض على الشكر لله - تعالى - أى : فهلا شكرتم الله - تعالى - على هذه النعم ، وأخلصتم له العبادة والطاعة ووضعتم نعمه فى مواضعها .
فالمراد بالشكر هنا : أن يواظب العبد على شكر ربه ، وعلى المداومة على ما يرضيه وعلى استعمال النعم فيما خلقت له .
أما شكر الرب - عز وجل - لعبده فمعناه : منحه الثواب الجزيل ، على عمله الصالح : ومنه قوله - تعالى - : { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ } قال بعض العلماء : واعلم أن مادة الشكر تتعدى إلى النعمة تارة ، وإلى النعم أخرى .
فإن عديت إلى النعمة ، تعدت إليها بنفسها دون حرف الجر ، كقوله - تعالى - : { رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ . . . } وإن عديت إلى المنعم تعدت إليه بحرف الجر الذى هو اللام ، كقوله - تعالى - : { واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ . . . } وقال - سبحانه - هنا : { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } وقال فى الآيات السابقة : { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً . . } بلام التأكيد ، لأن إنزال الماء من السماء وتحويله من ماء عذب إلى ماء ملح ، مما لا يتوهم أن لأحد قدرة عليه سوى الله - تعالى - لذا لم يحتج الأمر إلى تأكيد . . .
أما جفاف الزرع بعد نضارته ، حتى يعود حطاما ، فمما يحتمل أنه من فعل الزارع ، أو لأى سبب آخر ، كآفة زراعية ، لذا أكد - سبحانه - أنه هو الفاعل لذلك على الحقيقة ، وأنه - تعالى - قادر على تحطيمه بعد نموه وريعانه .
( لو نشاء جعلناه أجاجا ) . مالحا لا يستساغ ، ولا ينشئ حياة . فهلا يشكرون فضل الله الذي أجرى مشيئته بما كان ?
والمخاطبون ابتداء بهذا القرآن كان الماء النازل من السحائب ، في صورته المباشرة ، مادة حياتهم ، وموضع احتفالهم ، والحديث الذي يهز نفوسهم ، وقد خلدته قصائدهم وأشعارهم . . ولم تنقص قيمة الماء بتقدم الإنسان الحضاري ، بل لعلها تضاعفت . والذين يشتغلون بالعلم ويحاولون تفسير نشأة الماء الأولى أشد شعورا بقيمة هذا الحدث من سواهم . فهو مادة اهتمام للبدائي في الصحراء ، وللعالم المشتغل بالأبحاث سواء .
وقوله : لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجا يقول تعالى ذكره : لو نشاء جعلنا ذلك الماء الذي أنزلناه لكم من المزن مِلحا ، وهو الأجاج ، والأجاج من الماء : ما اشتدّت ملوحته ، يقول : لو نشاء فعلنا ذلك به فلم تنتفعوا به في شرب ولا غرس . ولا غرس ولا زرع .
وقوله : فَلَوْلا تَشْكُرُونَ يقول تعالى ذكره : فهلا تشكرون ربكم على إعطائه ما أعطاكم من الماء العذب لشربكم ومنافعكم ، وصلاح معايشكم ، وتركه أن يجعله أُجاجا لا تنتفعون به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.