روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

{ لَوْ نَشَاء جعلناه أُجَاجاً } ملحاً ذعاقاً لا يمكن شربه من الأجيج وهو تلهب النار ، وقيل : الأجاج كل ما يلذع الفم ولا يمكن شربه فيشمل الملح والمر والحار ، فإما أن يراد ذلك ، أو الملح بقرينة المقام وحذفت اللام من جواب لو ههنا للقرينة اللفظية والحالية ومتى أجاز حذف لم أر في قول أوس

: حتى إذا الكلاب قال لها *** ( . . . ) كاليوم مطلوباً ولا طلبا

والقرينة حالية فأولى أن يجوز حذفها وحدها لذلك على ما قرره الزمخشري ، وقرر وجهاً آخر حاصله أن اللام لمجرد التأكيد فتناسب مقام التأكيد فأدخلت في آية المطعوم دون المشروب للدلالة على أن أمره مقدم على أمره ، وأن الوعيد بفقده أشدّ وأصعب من قبل أن المشروب تبع له ألا يرى أن الضيف يسقي بعد أن يطعم ، وقد ذكر الأطباء أن الماء مبذرق ، ويؤيد ذلك تقديمه على المشروب في النظم الجليل ، وللإمام في هذا المقام كلام طويل اعترض به على الزمخشري وبين فيه وجه الذكر أولاً والحذف ثانياً ، ولم أره أتى بما يشرح الصدر ، وخير منه عندي قول ابن الأثير في المثل السائل : إن اللام أدخلت في المطعوم دون المشروب لأن جعل الماء العذب ملحاً أسهل إمكاناً في العرف والعادة والموجود من الماء الملح أكثر من الماء العذب ، وكثيراً ما إذا جرت المياه العذبة على الأراضي المتغيرة التربة أحالتها إلى الملوحة فلم يحتج في جعل الماء العذب ملحاً إلى زيادة تأكيد فلذا لم تدخل لام التأكيد المفيدة لزيادة التحقيق ، وأما المطعوم فإن جعله حطاماً من الأشياء الخارجة عن المعتاد وإذا وقع يكون عن سخط شديد ، فلذا قرن باللام لتقرير إيجاده وتحقيق أمره انتهى .

{ فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } تحضيض على شكر الكل لأنه أفيد دون عذوبة الماء فقط كما ذهب إليه البعض .

نعم أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أذا شرب الماء قال : الحمد لله الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا » .