اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

وقوله : { لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } .

وقد تقدم عدم دخول «اللام » في جواب «لو » هذه .

وقال الزمخشري{[55021]} : «فإن قلت : لم دخلت «اللام » في جواب «لو » في قوله : «لجعلناه حطاماً » ، ونزعت منه هاهنا ؟ .

قلت : إن «لو » لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشَّرط ، ولم تكن مخلصة للشرط ك «إن » و «لا » عاملة مثلها ، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقاً من حيث إفادتها في مضمون جملتين أن الثَّاني امتنع لامتناع الأول افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علماً على هذا التعلق فزيدت هذه «اللام » لتكون علماً على ذلك ، فإذا حذفت بعد ما صارت علماً مشهوراً مكانه ، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه ، وصار مألوفاً ومأنوساً به لم يبال بإسقاطه عن اللفظ استغناء بمعرفة السَّامع .

ألا ترى ما يحكى عن رؤبة ، أنَّه كان يقول : خيرٍ ، لمن قال له : كيف أصبحت ؟

فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه ، وتساوي حال إثباته وحذفه لشهرة أمره ، وناهيك بقول أوس : [ السريع ]

حَتَّى إذا الكَلاَّبُ قال لَهَا *** كاليَوْمِ مَطْلُوباً ولا طَلَبَا{[55022]}

وحذفه : «لَمْ أرَ » فإذاً حذفها اختصار لفظي ، وهي ثابتة في المعنى ، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما ، على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة ، مُغْنٍ عن ذكرها ثانياً ، ويجوز أن يقال : إن هذه «اللام » مفيدة معنى التَّوكيد لا محالة ، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أنّ أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب ، وأنَّ الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمَطْعُوم .

ألا ترى أنك إنما تسقي ضيفك بعدما تطعمه ، ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء : [ الوافر ]

إذا سُقِيَتْ ضُيُوفُ النَّاسِ مَحْضاً *** سَقَوْا أضْيافَهُمْ شَبَماً زلالا{[55023]}

وسقي بعض العرب فقال : أنا لا أشرب إلا على ثميلة ، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب » . انتهى .

وقد تقدم جواب ابن الخطيب له عن ذلك .

فصل في تفسير الآية{[55024]}

قال ابن عبَّاس : «الأجاج » : المالح الشديد الملوحة .

وقال الحسن : مُرًّا لا تنتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما{[55025]} .

«فلولا » أي : فهلا «تشكرون » الذي صنع ذلك بكم .


[55021]:الكشاف 4/466، والبحر المحيط 8/211، والدر المصون 6/264.
[55022]:تقدم.
[55023]:ينظر الكشاف 4/57 وشرح شواهده 504، والقرطبي 17/143 والدر المصون 6/265.
[55024]:ينظر: القرطبي 17/143.
[55025]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/288) عن الحسن.