تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

الآية 70 وأخبر أنه { لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون } مالحا يهلك{[20484]} الأنفس ، ولا تقوم به{[20485]} . وكذلك قوله : { لو نشاء لجعلناه حطاما } [ الآية : 65 ] حتى يخرج من أن يكون ، غذاء فيه لكن بفضله ورحمته أبقى لهم ذلك أغذية وأشربة . ولذلك قال في آخره { فلولا تشكرون } أي هلا تشكرون [ ما ]{[20486]} أنعم عليكم ؟

ثم هذه الآيات دلالة نقض قول المعتزلة في أفعال العباد حين{[20487]} قال : { أفرأيتم ما تمنون } { أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون } [ الآيتان : 58 و59 ] والإمناء ، هو فعل العبد ؛ إذ هو دفق المني . ثم أخبر أنه خالق ذلك حين{[20488]} قال : { أأنتم تخلقونه } وكذلك الحراثة والزراعة فعل العباد ، وأخبر أنه خالق ذلك . وفي{[20489]} قوله تعالى : { لو نشاء لجعلناه حطاما } [ الآية : 65 ] وقوله : { لو نشاء جعلناه أجاجا } نقض قولهم في الأصلح .

فإنه يقال لهم : إن قوله { لو نشاء } فجعله كذا ، ثم لم يفعل ذلك ، فقد ترك الأصلح ، أو يكون الأصلح لهم في ابقاء ذلك ، فيصير كأنه قال : لو شاء لجعل ما هو حق وعدل جورا ، ولا يجوز أن يقال : إن الله تعالى لو شاء أن يجور لجار . فعلى أي الوجهين حمل كان في ذلك نقض مذهبهم .

وفي قوله تعالى : { نحن قدرنا بينكم الموت } [ الآية : 60 ] نقض قولهم في أن المقتول لم يمت بأجله ، لأن الله تعالى أخبر أنه قدّر الموت بينهم ، وعندهم أن من قتل لم يمت بما قدر الله تعالى ، ولم يمت بأجله ، وقد أخبر أنه هو قدّر ذلك ، وأنه لا يسبق في ذلك لقوله : { وما نحن بمسبوقين } .

ولو كان على ما تقوله المعتزلة : يموت قبل أجله فقد قالوا : إنه لم يقدر له الموت ، وإن القاتل قد سبقه ، ومنعه عن وفاء ما جعل له من الأجل والبلوغ إلى ذلك الأجل الذي جعل له ، وكذبه في خبره أنه يبلغ إلى ذلك الأجل ، والله الموفق .

ثم قوله تعالى : { أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون } اختلف في تأويل المزن :

قال عامة أهل التأويل والأدب : المزن هو السحاب . وقال أبو بكر الأصم : المزن ، هو الماء العذب فعلى قوله يكون حرف { من } صلة ؛ كأنه قال : أأنتم أنزلتم المزن ؟ .

والظاهر ما ذهب إليه أولئك أنه ينزل من السحاب ، والله أعلم .


[20484]:أدرج فبلها في الأصل و م: ما.
[20485]:في الأصل و م: له
[20486]:من، م ساقطة من الأصل.
[20487]:في الأصل و م: حيث
[20488]:في الأصل و م: حيث
[20489]:الواو ساقطة من الأصل و م.