الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

فإن قلت : لم أدخلت اللام على جواب ( لو ) في قوله : { لَجَعَلْنَاهُ حطاما } [ الواقعة : 65 ] ونزعت منه ههنا ؟ قلت : إنّ «لو » لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ، ولم تكن مخلصة للشرط كإن ولا عاملة مثلها ، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقاً من حيث إفادتها في مضموني جملتيها أنّ الثاني امتنع لامتناع الأوّل افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علماً على هذا التعلق ، فزيدت هذه اللام لتكون علماً على ذلك ، فإذا حذفت بعد ما صارت علماً مشهوراً مكانه ، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفاً ومأنوساً به : لم يبال بإسقاطه عن اللفظ ، استغناء بمعرفة السامع . ألا ترى إلى ما يحكى عن رؤبة أنه كان يقول : خير ، لمن قال له : كيف أصبحت ؟ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه . وتساوي حالي حذفه وإثباته لشهرة أمره . وناهيك بقول أوس :

حَتى إذَا الْكلاَّبُ قَالَ لَهَا *** كَالْيَوْمِ مَطْلُوباً وَلاَ طَلَبَا

وحذفه «لم أر » فإذن حذفها اختصار لفظي وهي ثابتة في المعنى ، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما ؛ على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية ونائب عنه . ويجوز أن يقال : إنّ هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة ، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب ، للدلالة على أن أمر المطعوم مقدّم على أمر المشروب ، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب ، من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمطعوم . ألا ترى أنك إنما تسقى ضيفك بعد أن تطعمه ، ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء :

إذَا سُقِيَتْ ضُيُوفُ النَّاسِ مَحْضاً *** سَقَوْا أَضْيَافَهُمْ شَبَماً زَلاَلاَ

وسقى بعض العرب فقال : أنا لا أشرب إلا على ثميلة ؛ ولهذا قدّمت آية المطعوم على آية المشروب .