بعد ذلك بين - سبحانه - ما أعد لهم من حسن الثواب فقال : { أولئك هُمُ الوارثون الذين يَرِثُونَ الفردوس هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
والفردوس : أعلى الجنات وأفضلها وهو لفظ عربى يجمع فى فراديس .
وقيل : هو لفظ معرب معناه : الذى يجمع ما فى البساتين من ثمرات .
وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة " .
أى : أولئك الموصوفون بتلك الصفات الجليلة ، هم الجديرون بالفلاح فإنهم يرثون أعلى الجنات وأفضلها ، وهم فيها خالدون خلوداً أبديًّا لا يمسهم فيها نصب ، ولا يمسهم فيها لغوب .
وعبر - سبحانه - عن حلولهم فى الجنة بقولهم { يَرِثُونَ } للإشعار بأن هذا النعيم الذى نزلوا به ، قد استحقوه بسبب أعمالهم الصالحة ، كما يملك الوارث ما ورثه عن غيره ، ومن المعروف أن ما يملكه الإنسان عن طريق الميراث يعتبر أقوى أسباب الملك .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وقوله - سبحانه - : { ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وحذف مفعول اسم الفاعل الذى هو { الوارثون } لدلالة قوله : { الذين يَرِثُونَ الفردوس } عليه .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت المؤمنين الصادقين مدحاً عظيماً ووعدتهم بالفوز بأعلى الجنات وأفضلها ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
ولما كانت الحياة في هذه الأرض لا تحقق الكمال المقدر لبني الإنسان ، فقد شاء الله أن يصل المؤمنون الذين ساروا في الطريق ، إلى الغاية المقدرة لهم ، هنالك في الفردوس ، دار الخلود بلا فناء ، والأمن بلا خوف ، والاستقرار بلا زوال :
( أولئك هم الوارثون ، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) . .
وتلك غاية الفلاح الذي كتبه الله للمؤمنين . وليس بعدها من غاية تمتد إليها عين أو خيال . .
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : الّذِينَ يَرِثُونَ البستان ذا الكَرْم ، وهو الفِرْدَوْسُ عند العرب . وكان مجاهد يقول : هو بالرومية .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، في قوله : الّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ قال : الفردوس : بستان بالرومية .
قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قال : عدن حديقة في الجنة قصرها فيها عدنها خلقها بيده ، تفتح كل فجر فينظر فيها ثم يقول : قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ ، قال : هي الفردوس أيضا تلك الحديقة ، قال مجاهد : غرسها الله بيده فلما بلغت قال : قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ ثم أمر بها تغلق ، فلا ينظر فيها خلق ولا ملك مقرّب ، ثم تفتح كل سحر فينظر فيها فيقول : قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنونَ ثم تغلق إلى مثلها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، قال : قتل حارثة بن سُراقة يوم بدر ، فقالت أمه : يا رسول الله ، إن كان ابني من أهل الجنة لم أبك عليه ، وإن كان من أهل النار بالغت في البكاء . قال : «يا أُمّ حارِثَةَ ، إنّها جَنّتانِ فِي جَنّةٍ ، وَإنّ ابْنَكِ قَدْ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلَى مِنَ الجَنّةِ » .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، عن كعب ، قال : خلق الله بيده جنة الفردوس ، غرسها بيده ، ثم قال : تكلمي قالت : قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ .
قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن حُسام بن مِصَكّ ، عن قَتادة أيضا ، مثله ، غير أنه قال : تكلمي ، قالت : طوبي للمتّقين .
قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي داود نفيع ، قال : لما خلقها الله ، قال لها : تزيني فتزينت ثم قال لها : تكلمي فقالت : طوبي لمن رضيت عنه .
وقوله : هُمْ فِيها خالِدُونَ يعني ماكثون فيها ، يقول : هؤلاء الذين يرثون الفردوس خالدون ، يعني ماكثون فيها أبدا لا يتحوّلون عنها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.