قوله تعالى : { كمثل الذين من قبلهم } يعني : مثل هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم ، { قريباً } يعني مشركي مكة ، { ذاقوا وبال أمرهم } يعني القتل ببدر ، وكان ذلك قبل غزوة بني النضير ، قاله مجاهد . وقال ابن عباس : كمثل الذين من قبلهم يعني بني قينقاع . وقيل : مثل قريظة كمثل بني النضير وكان بينهما سنتان { ولهم عذاب أليم } .
ثم ساق - سبحانه - مثلين زيادة فى تثبيت المؤمنين ، وفى التهوين من شأن أعدائهم فقال - تعالى - : { كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
وقوله : { كَمَثَلِ . . } خبر لمبتدأ محذوف . والمراد بالذين من قبلهم : يهود بنى قينقاع ، وكفار قريش الذين حل بهم ما حل من هزائم فى غزوة بدر .
والوبال : المرعى الضار الذى ترعاه الماشية ، دون أن تدرك سوء عاقبته .
أى : مثل هؤلاء اليهود والمنافقين ، وحالهم العجيبة . . . كمثل الذين من قبلهم ، وهم يهود بنى قينقاع ، الذين أخرجوا من المدينة بسبب غدرهم ، وكان خروجهم قبل خروج بنى النضير بزمن ليس بالطويل ، وكمثل مشركى قريش الذين حلت بهم الهزيمة فى غزوة بدر ، فإن هؤلاء وهؤلاء قد ذاقوا فى الدنيا سوء عاقبة كفرهم بدون إمهال . .
أما فى الآخرة فلهم عذاب شديد الألم والإهانة .
ووجه الشبه بين السابقين واللاحقين ، أن الجميع قد اغتروا بمالهم وقوتهم ، فتطاولوا على المؤمنين ، ونقضوا عهودهم معهم . . . فكانت عاقبتهم جميعا أن أذلهم الله - تعالى - فى الدنيا ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .
ولم يكن حادث بني النضير هو الأول من نوعه ، فقد سبقه حادث بني قينقاع الذي تشير إليه الآية بعد ذلك غالبا :
( كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ) . .
ووقعة بني قينقاع كانت بعد غزوة بدر وقبل غزوة أحد . وكان بينهم وبين رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عهد . فلما انتصر المسلمون على المشركين في بدر كره اليهود ذلك ، وحقدوا على المسلمين أن ينالوا هذا الانتصار
العظيم ، وخافوا أن يؤثر هذا على موقفهم في المدينة فيضعف من مركزهم بقدر ما يقوي من مركز المسلمين . وبلغ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ما يتهامسون به وما يفكرون فيه من الشر ، فذكرهم العهد وحذرهم مغبة هذ الاتجاه . فردوا ردا غليظا مغيظا فيه تهديد . قالوا : يا محمد . إنك لترى أنا قومك ! لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة . إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس !
ثم أخذوا يتحرشون بالمسلمين ؛ وذكرت الروايات من هذا أن امرأة من العرب قدمت ببضاعة لها فباعتها بسوق بني قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوأتها ، فضحكوا بها ، فصاحت . فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله . وشدت يهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين . فغضب المسلمون ، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع .
وحاصرهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى نزلوا على حكمه . فقام رأس المنافقين عبدالله بن أبي ابن سلول يجادل رسول الله عنهم ، باسم ما كان بينهم وبين الخزرج من عهد ! ولكن الحقيقة كانت هي هذه الصلة بين المنافقين وإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ! فرضي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في النهاية أن يجلوا عن المدينة ، وأن يأخذوا معهم أموالهم ومتاعهم - إلا السلاح - ورحلوا إلى الشام .
فهذه هي الواقعة التي يشير إليها القرآن ويقيس عليها حال بني النضير وحقيقتهم . . وحال المنافقين مع هؤلاء وهؤلاء !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.