قوله عز وجل :{ وكذلك } يعني : كما أنزلنا إليهم الكتب ، { أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به } يعني : مؤمني أهل الكتاب ، عبد الله بن سلام وأصحابه ، { ومن هؤلاء } يعني : أهل مكة ، { من يؤمن به } وهم مؤمنو أهل مكة ، { وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون } ، وذلك أن اليهود وأهل مكة عرفوا أن محمداً نبي ، والقرآن حق ، فجحدوا . قال قتادة : الجحود إنما يكون بعد المعرفة .
ثم بين - سبحانه - موقف الناس من هذا الكتاب الذى أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم - فقال : { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب فالذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ . . } .
والكاف بمعنى مثل : واسم الإِشارة يعود إلى المصدر المفهوم من أنزلنا . أى : ومثل ذلك الإِنزال المعجز البديع ، أنزلنا إليك الكتاب - أيها الرسول الكريم - ليكون هداية للناس ، فالذين آتيناهم الكتاب الشامل للتوراة والإِنجيل وعقلوه وفتحوا قلوبهم للحق ، يؤمنون بهذا الكتاب الذى نزل عليك ، وهو القرآن .
فالمراد بالذين أوتوا الكتاب : المؤمنون منهم كعبد الله بن سلام وأمثاله . والمراد بالكتاب جنسه . والضمير فى " به " يعود إلى القرآن الكريم الذى أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وخص هؤلاء المؤمنين منهم بإيتاء الكتاب ، على سبيل المدح لهم . لأنهم انتفعوا بما أوتوه من علم وعملوا بمقتضاه ، أما غيرهم من بقى على كفره ، فلكونه لم ينتفع بما فى الكتاب من هدايات ، فكأنه لم يره أصلاً .
وقوله : { وَمِنْ هؤلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ } : ومن هؤلاء العرب الذين أرسلت إليهم - أيها الرسول الكريم - من يؤمن بهذا القرآن الذى أنزلناه إليك .
و " من " للتبعيض ، لأنه ملم يؤمنوا جميعاً ، وإنما من منهم من هداه الله - تعالى - إلى الصراط المستقيم .
{ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ } الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وعلى صدقك فيما تبلغه عنا ، { إِلاَّ الكافرون } أى : إلا الموغلون فى الكفر ، المصرون عليه إصراراً تاماً .
والجحود : إنكار الحق مع معرفة أنه حق .
وعبر عن الكتاب بالآيات ، للإِشعار بأنها فى غاية الظهور والدلالة على كونها من عند الله - تعالى - ، وأنه ما يكذب بها إلا من غطى الحق بالباطل عن تعمد وإصرار .
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن من الناس من قابل هذا القرآن بالتصديق والإِذعان ، ومنهم من قابله بالجحود والنكران .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هََؤُلآءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ الْكَافِرونَ } .
يقول تعالى ذكره : كما أنزلنا الكتب على مَن قبلك يا محمد من الرسل كَذلكَ أنْزَلْنا إلَيْكَ هذا الكِتابَ ، فالّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ من قبلك من بني إسرائيل يُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يقول : ومن هؤلاء الذين هم بين ظهرانيك اليوم من يؤمن به كعبد الله بن سلام ، ومن آمن برسوله من بني إسرائيل .
وقوله : وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ الكافِرُونَ يقول تعالى ذكره : وما يجحد بأدلتنا وحججنا إلاّ الذي يجحد نعمنا عليه ، وينكر توحيدنا وربوبيتنا على علم منه عنادا لنا . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ الكافِرُونَ قال : إنما يكون الجحود بعد المعرفة .
تقدم في الآية التي قبل هذه ما يتضمن نزول شرع وكتاب من عندالله على أنبياء قبل محمد عليه السلام فحسن لذلك عطف { كذلك أنزلنا } على ما في المضمر ، أي وكما أنزلنا على من تقدمك أنزلنا إليك ، و { الكتاب } القرآن ، وقوله { فالذين آتيناهم الكتاب } يريد التوراة والإنجيل ، أي فالذين كانوا في عصر نزول الكتاب وأوتوه حينئذ { يؤمنون به } أي كانوا مصدقين بهذا الكتاب الذي أنزلناه إليك ، فالضمير في { به } عائد على القرآن ، ثم أخبر عن معاصري محمد صلى الله عليه وسلم أن منهم أيضاً { من يؤمن به } ولم يكونوا آمنوا بعد ، ففي هذا إخبار بغيب بينه الوجود بعد ذلك ، ثم أنحى على الجاحدين من أمة قد آمن سلفها في القديم وبعضها في الحديث ، وحصل الجاحدون في أخس رتبة من الضلال ، ويشبه أن يراد أيضاً في هذا الإنحاء كفار قريش مع كفار بني إسرائيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.