ثم كرر - سبحانه - مدحه للقرآن الكريم ، بأن بين أنه مشتمل على كل مثل نافع للناس ، وأنه لا لبس فيه ولا اختلاف ، وساق مثلا للمشرك الذى يعبد آلهة كثيرة ، وللمؤمن الذى يبعد إلها واحدا ، وبين أن جميع الناس سيعمهم الموت . وأنهم جميعا سيرجعون إلى الله للحساب ، فقال - تعالى - :
{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن . . . } .
اللام فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ . . . } موطئة للقسم .
أى : والله لقد ضربنا وكررنا بأساليب متنوعة فى هذا القرآن العظيم ، من كل مثل يحتاج إليه الناس فى أمورهم وشئونهم ، وينتفعون به فى دنياهم ودينهم .
وقوله - تعالى - : { لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } تعليل لضرب المثل . أى فعلنا ذلك فى كتابنا الذى هو أحسن الحديث ، كى يتعظوا ويتذكروا ما أمرناهم به ، أو نهيناهم عنه .
فلعل هنا بمعنى كى التعليلية ، وهذا التعليل إنما هو بالنسبة إلى غيره - تعالى - .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنّاسِ فِي هََذَا الْقُرْآنِ مِن كُلّ مَثَلٍ لّعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ } :
يقول تعالى ذكره : ولقد مثّلنا لهؤلاء المشركين بالله من كلّ مثل من أمثال القرون للأمم الخالية ، تخويفا منّا لهم وتحذيرا لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ يقول : ليتذكروا فينزجروا عما هم عليه مقيمون من الكفر بالله .
عطف على جملة { الله نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ } إلى قوله : { فَما لهُ مِن هَادٍ } [ الزمر : 23 ] ، تتمة للتنويه بالقرآن وإرشاده ، وللتعريض بتسفيه أحلام الذين كذّبوا به وأعرضوا عن الاهتداء بهديه . وتأكيد الخبر بلام القسم وحرففِ التحقيق منظور فيه إلى حال الفريق الذين لم يتدبروا القرآن وطعنوا فيه وأنكروا أنه من عند الله .
والتعريف في { الناس } للاستغراق ، أي لجميع الناس ، فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة .
وضَرْب المثل : ذِكره ووصفُه ، وقد تقدم في قوله تعالى : { إن اللَّه لا يستحيِّ أن يضرب مثلاً } في سورة [ البقرة : 26 ] . وتنوين { مَثَلٍ } للتعظيم والشرف ، أي من كل أشرف الأمثال ، فالمعنى : ذكرنا للناس في القرآن أمثالاً هي بعض من كل أنفع الأمثال وأشرفها . والمراد : شرف نفعها .
وخُصّت أمثال القرآن بالذكر من بين مزايا القرآن لأجل لَفت بصائرهم للتدبر في ناحية عظيمة من نواحي إعجازه وهي بلاغة أمثاله ، فإن بلغاءهم كانوا يتنافسون في جَودة الأمثال وإصابتها المحزّ من تشبيه الحالة بالحالة . وتقدم هذا عند قوله تعالى : { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً } في سورة [ الإِسراء : 89 ] ، وتقدم في قوله : { ولقَد ضَرَبنا للنَّاسِ في هذَا القُرْآنِ مِن كل مَثَلٍ } في سورة [ الروم : 58 ] .
ومعنى الرجاء في { لَعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ } منصرف إلى أن حالهم عند ضرب الأمثال القرآنية كحال من يرجو الناس منه أن يتذكر ، وهذا مِثل نظائر هذا الترجي الواقع في القرآن ، وتقدم في سورة البقرة .
ومعنى التذكر : التأمل والتدبر لينكشف لهم ما هم غافلون عنه سواء ما سبق لهم به علم فنسُوه وشُغلوا عنه بسفسَاففِ الأمور ، وما لم يسبق لهم علم به مما شأنه أن يستبصره الرأي الأصيل حتى إذا انكشف له كان كالشيء الذي سبق له علمه وذهِل عنه ، فمعنى التذكر معنى بديع شامل لهذه الخصائص .
وهذا وصفُ القرآن في حدّ ذاته إن صادف عقلاً صافياً ونفساً مجردة عن المكابرة فتذكر به المؤمنون به من قبل ، وتذكّر به من كان التذكّر به سبباً في إيمانه بعد كفره بسرعة أو ببطء ، وأما الذين لم يتذكروا به فإن عدم تذكرهم لنقص في فطرتهم وتغشية العناد لألبابهم . وكذلك معنى قوله : { لعلَّهُم يتَّقُونَ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.