{ فالمدبرات أمراً } قال ابن عباس : هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم الله عز وجل العمل بها . قال عبد الرحمن بن سابط : يدبر الأمور في الدنيا أربعة : جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت ، وإسرافيل ، عليهم السلام ، أما جبريل : فموكل بالوحي والبطش وهزم الجيوش ، وأما ميكائيل : فموكل بالمطر والنبات والأرزاق ، وأما ملك الموت : فموكل بقبض الأنفس ، وأما إسرافيل : فهو صاحب الصور لا ينزل إلا للأمر العظيم . وجواب هذه الأقسام محذوف ، على تقدير : لتبعثن ولتحاسبن . وقيل : جوابه قوله : { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى }( النازعات-25 ) . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } والنازعات غرقاً .
وقوله : { فالمدبرات أَمْراً } المقصود به طائفة خامسة من الملائكة ، من وظائفهم تدبير شأن الخلائق ، وتنظيم أحوالهم بالطريقة التى يأمرهم - سبحانه - بها ، فنسبة التدبير إليهم ، إنما هى على سبيل المجاز ، لأن كل شئ فى هذا الكون إنما هو بقضاء الله وتقديره وتدبيره .
والمراد بالأمر : الشأن والغرض المهم ، وتنوينه للتعظيم ، ونصبه على المفعولية للفظ المدبرات . أى : وحق الملائكة الذين يرتبون شئون الخلائق ، وينظمون أمورهم بالطريقة التى يكلفهم - سبحانه - بها .
وجاء العطف فى قوله : { فالسابقات } { فالمدبرات } بالفاء ، للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها بغير مهلة . وللإِيذان بأن هاتين الصفتين متفرعتين عما قبلهما .
وعلى هذا التفسير الذى سرنا فيه على أن هذه الصفات لموصوف واحد ، سار كثير من المفسرين : فصاحب الكشاف صدر تفسيره لهذه الآيات بقوله : أقسم - سبحانه - بطوائف الملائكة ، التى تنزع الأرواح من الأجساد وبالطوائف التى تنشطها ، أى تخرجها . . بالطوائف التى تسبح فى مضيها ، أى : تسرع فتسبق إلى ما أمروا به ، فتدبر أمرا من أمور العباد مما يصلحهم فى دنيهم ودنياهم ، كما رسم الله - تعالى - لهم . . وأسند التدبير إليهم - أى إلى الملائكة - لأنهم من أسبابه .
وقال الشوكانى : أقسم - سبحانه - بهذه الأشياء التى ذكرها ، وهى الملائكة التى تنزع أرواح العباد عن أجسادهم ، كما ينزع النازع القوس فيبلغ بها غاية المد ، وكذا المراد بالناشطات ، والسابحات ، والسابقات ، والمدبرات ، يعنى الملائكة ، والعطف مع اتحاد الكل لتنزيل التغاير الوصفى ، منزلة التغاير الذاتى ، كما فى قول الشاعر :
إلى الملك القرم ، وابن الهام . . . وليث الكتيبة فى المزدحم
وهذا قول الجمهور من الصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم . .
ومنهم من يرى أن المراد بالنازعات : النجوم تنتقل من مكان إلى مكان ، أو الأقواس التى تنزع السهام ، أو الغزاة ينزعون من دار الإِسلام إلى دار الحرب . .
ومنهم من يرى أن المراد بالناشطات : الكواكب السيارة ، أو السفن التى تمخر عباب الماء . . وأن المراد بالسابحات والسابقات : النجوم ، أو الشمس والقمر ، والليل والنهار . .
أما المدبرات فقد أجمعوا على أن المراد بها الملائكة .
قال الجمل : اختلفت عبارات المفسرين فى هذه الكلمات ، هل هى صفات لشئ واحد ، أو لأشياء مختلفة ، على أوجه : واتفقوا على أن المراد بقوله : { فالمدبرات أَمْراً } وصف لشئ واحد ، وهم الملائكة .
ويبدو لنا أن كون هذه الصفات جميعها لشئ واحد ، هو الملائكة ، أقرب إلى الصواب لأنه المأثور عن كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.