المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} (99)

99- رحل يعقوب إلى مصر ، وسار بأهله حتى بلغها ، فحين دخلوا على يوسف - وكان قد استقبلهم في مدخل مصر - عجَّل به الحنان والشوق إلى أبيه وأمه ، فقربهما إليه ، وطلب منهما ومن أهله أن يقيموا في مصر آمنين سالمين بإذن اللَّه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} (99)

يخبر تعالى عن ورود يعقوب ، عليه السلام ، على يوسف ، عليه السلام ، وقدومه بلاد{[15295]} مصر ، لما كان يوسف قد تقدم إلى إخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين ، فتحملوا عن آخرهم وترحلوا من بلاد كنعان قاصدين بلاد{[15296]} مصر ، فلما أخبر يوسف ، عليه السلام ، باقترابهم خرج لتلقيهم ، وأمر [ الملك ]{[15297]} أمراءه وأكابر الناس بالخروج [ مع يوسف ]{[15298]} لتلقي نبي الله يعقوب ، عليه السلام ، ويقال : إن الملك خرج أيضا لتلقيه ، وهو الأشبه .

وقد أشكل قوله : { آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ } على كثير{[15299]} من المفسرين ، فقال بعضهم : هذا من المقدم والمؤخر ، ومعنى الكلام : { وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } وآوى إليه أبويه ، ورفعهما على العرش .

وقد رد ابن جرير هذا . وأجاد في ذلك . ثم اختار ما حكاه عن السٌّدِّي : أن يوسف آوى إليه أبويه لما تلقاهما ، ثم لما وصلوا باب البلد قال : { ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ }

وفي هذا نظر أيضا ؛ لأن الإيواء إنما يكون في المنزل ، كقوله : { آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ } وفي الحديث : " من أوى محدثا " وما المانع أن يكون قال لهم بعدما دخلوا عليه وآواهم إليه : { ادْخُلُوا مِصْرَ } وضمَّنه : اسكنوا مصر { إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } أي : مما كنتم فيه من الجهد والقحط ، ويقال - والله أعلم - : إن الله تعالى رفع عن أهل مصر بقية السنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب عليهم ، كما رفع بقية السنين التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة حين قال : " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " ، ثم لما تضرعوا إليه واستشفعوا لديه ، وأرسلوا أبا سفيان في ذلك ، فدعا لهم ، فَرُفِعَ عنهم بقية ذلك ببركة دعائه ، عليه السلام{[15300]} .

وقوله : { آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } قال السدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنما كان أباه{[15301]} وخالته ، وكانت أمه قد ماتت قديما .

وقال محمد بن إسحاق وابن جرير : كان أبوه وأمه يعيشان .

قال ابن جرير : ولم يقم دليل على موت أمه ، وظاهر القرآن يدل على حياتها . وهذا الذي نصره هو المنصور الذي يدل عليه السياق .


[15295]:- في أ : "على".
[15296]:- في ت ، أ : "ديار".
[15297]:- زيادة من ت ، أ.
[15298]:- زيادة من ت ، أ.
[15299]:- في ت : "كثيرين".
[15300]:- رواه البخاري في صحيحه برقم (1007) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[15301]:- في ت : "أبوه".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} (99)

وقوله : { فلما دخلوا } الآية ، ها هنا محذوفات يدل عليها الظاهر ، وهي : فرحل يعقوب بأهله أجمعين وساروا حتى بلغوا يوسف ، فلما دخلوا عليه .

و { آوى } معناه : ضم وأظهر الحماية بهما{[6836]} ، وفي الحديث : «أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله »{[6837]} وقيل : أراد «بالأبوين » : أباه وأمه - قاله ابن إسحاق والحسن - وقال بعضهم : أباه وجدته - أم أمه - حكاه الزهراوي - وقيل : أباه وخالته ، لأن أمه قد كانت ماتت - قاله السدي - .

قال القاضي أبو محمد : والأول أظهر - بحسب اللفظ - إلا لو ثبت بسند أن أمه قد كانت ماتت .

وفي مصحف ابن مسعود : «آوى إليه أبويه وإخوته » . وقوله : { ادخلوا مصر } معناه : تمكنوا واسكنوا واستقروا ، لأنهم قد كانوا دخلوا عليه ، وقيل : بل قال لهم ذلك في الطريق حين تلقاهم - قاله السدي وهذا الاستثناء هو الذي ندب القرآن إليه ، أن يقوله الإنسان في جميع ما ينفذه بقوله في المستقبل ، وقال ابن جريج : هذا مؤخر في اللفظ وهو متصل في المعنى بقوله : { سوف أستغفر لكم } .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا التأويل ضعف .


[6836]:في بعض النسخ: "وأظهر الحفاية بهما" بكسر الحاء وبالياء المهملة، وهي صحيحة مثل الحفاوة بالواو مع فتح الحاء وكسرها، يقال: حفي بالرجل حفاوة وحفاوة وحفاية، وتحفى به واحتفى: بلغ في إكرامه. (عن اللسان – حفا).
[6837]:الحديث في البخاري، في باب "من قعد حيث ينتهي به المجلس" من كتاب العلم، ولفظه في البخاري عن أبي واقد الليثي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض الله عنه). هذا وقد أخرجه البخاري أيضا في الصلاة، ومسلم في السلام، والترمذي في الاستئذان، ومالك في الموطأ (في السلام)، وأحمد (5ـ219).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} (99)

طوى ذكر سفرهم من بلادهم إلى دخولهم على يوسف عليه السلام إذ ليس فيه من العبر شيء .

وأبواه أحدهما يعقوب عليه السلام وأما الآخر فالصحيح أن أم يوسف عليه السلام وهي ( راحيل ) توفيت قبل ذلك حين ولدت بنيامين ، ولذلك قال جمهور المفسّرين : أطلق الأبوان على الأب زوج الأب وهي ( ليئة ) خالة يوسف عليه السلام وهي التي تولت تربيته على طريقة التغليب والتنزيل .

وإعادة اسم يوسف عليه السلام لأجل بعد المعاد .

وقوله : { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } جملة دعائية بقرينة قوله : { إن شاء الله } لكونهم قد دخلوا مصر حينئذٍ . فالأمر في { ادخلوا } للدعاء كالذي في قوله تعالى : { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم } [ الأعراف : 49 ] .

والمقصود : تقييد الدخول بآمنين } وهو مناط الدعاء .

والأمنُ : حالة اطمئنان النفس وراحة البال وانتفاء الخوف من كل ما يخاف منه ، وهو يجمع جميع الأحوال الصالحة للإنسان من الصحة والرزق ونحو ذلك . ولذلك قالوا في دعوة إبراهيم عليه السلام { ربّ اجعل هذا البلد آمناً } إنه جمع في هذه الجملة جميع ما يطلب لخير البلد .

وجملة { إن شاء الله } تأدب مع الله كالاحتراس في الدعاء الوارد بصيغة الأمر وهو لمجرد التيمّن ، فوقوعه في الوعد والعزم والدعاءِ بمنزلة وقوع التسمية في أول الكلام وليس هو من الاستثناء الوارد النهي عنه في الحديث : أن لا يقول اغفر لي إن شئت ، فإنه لا مُكره له لأن ذلك في الدعاء المخاطب به الله صراحة . وجملة { إن شاء الله } معترضة بين جملة { ادخلوا } والحال من ضميرها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} (99)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فلما دخلوا}، يعني: يعقوب وأهله أرض مصر، {على يوسف آوى}، يعني: ضم {إليه أبويه وقال} لهم: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} من الخوف...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول جلّ ثناؤه: فلما دخل يعقوبُ وولده وأهلوهم على يوسف "آوَى إلَيْهِ أبَوَيْهِ "يقول: ضمّ إليه أبويه، فقال لهم: "ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ".

فإن قال قائل: وكيف قال لهم يوسف: "ادْخُلُوا مِصْر إنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ" بعد ما دخلوها، وقد أخبر الله عزّ وجلّ عنهم أنهم لما دخولها على يوسف وضمّ إليه أبويه قال لهم هذا القول؟ قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك؛ فقال بعضهم: إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده، وآوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر، قالوا: وذلك أن يوسف تلقى أباه تكرمة له قبل أن يدخل مصر، فآواه إليه، ثم قال له ولمن معه: "ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ" بها قبل الدخول... وقال آخرون: بل قوله: "إنْ شاءَ اللّهُ" استثناء من قول يعقوب لبنيه أسْتَغفِرُ لَكُمْ رَبّي قال: وهو من المؤخر الذي معناه التقديم، قالوا: وإنما معنى الكلام: قال: أستغفر لكم ربي إن شاء الله إنه هو الغفور الرحيم. "فَلَمّا دَخَلُوا على يُوسُفَ آوَى إلَيْهِ أبَوَيْهِ وقالَ ادْخلوا مصْر"...

والصواب من القول في ذلك عندنا... هو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهاليهم قبل دخولهم مصر حين تلقاهم، لأن ذلك في ظاهر التنزيل كذلك... ولا وجه لتقديم شيء من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجة واضحة.

وقيل: عُنِي بقوله: "آوَى إلَيْهِ أبَوَيْهِ"... أباه وأمه...

وقوله: "وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ" مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ظاهر هذا أن يوسف كان تلقاه خارجا من المصر، فقال له: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) ثم لما دخلوا مصر آوى إلى نفسه أبويه، وضمهما إليه...

وأمره إياهم أن يدخلوا مصر آمنين لأن المصر كان أهله أهل كفر فكأنهم خافوا الملك الذي كان فيه، فذكر لهم الأمن لذلك. والله أعلم...

وإنما ذكر الثنيا في الأمن، ولم يذكره في الدخول، لأن الدخول منه أمر، وما ذكر من الأمن فهو وعد، لأنه يستثنى في الوعد، ولا يستثنى في الأمر...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... المراد بقوله: {ادخلوا مصر} أي أقيموا بها آمنين، سمى الإقامة دخولا لاقتران أحدهما بالآخر.

البحث الثاني: الاستثناء وهو قول: {إن شاء الله} فيه قولان:

الأول: أنه عائد إلى الأمن لا إلى الدخول، والمعنى: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله، ونظيره قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين}.

وقيل إنه عائد إلى الدخول على القول الذي ذكرناه إنه قال لهم هذا الكلام قبل أن دخلوا مصر.

البحث الثالث: معنى قوله: {آمنين} يعني على أنفسكم وأموالكم وأهليكم لا تخافون أحدا، وكانوا فيما سلف يخافون ملوك مصر وقيل آمنين من القحط والشدة والفاقة، وقيل آمنين من أن يضرهم يوسف بالجرم السالف...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

أي وقال لهم ادخلوا بلاد مصر إن شاء الله آمنين على أنفسكم وأنعامكم من الجوع والهلاك، فإن سني القحط كانت لا تزال باقية، وذكر المشيئة في كلامه للتبرؤ من مشيئته وحوله وقوته إلى مشيئة الله الذي سخر ذلك لهم وسخر ملك مصر وأهلها له ثم لهم، وهذا من شأن المؤمنين ولاسيما الأنبياء والصديقون...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

أي: {فَلَمَّا} تجهز يعقوب وأولاده وأهلهم أجمعون، وارتحلوا من بلادهم قاصدين الوصول إلى يوسف في مصر وسكناها، فلما وصلوا إليه، و {دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} أي: ضمهما إليه، واختصهما بقربه، وأبدى لهما من البر والإكرام والتبجيل والإعظام شيئا عظيما، {وَقَالَ} لجميع أهله: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} من جميع المكاره والمخاوف، فدخلوا في هذه الحال السارة، وزال عنهم النصب ونكد المعيشة، وحصل السرور والبهجة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

طوى ذكر سفرهم من بلادهم إلى دخولهم على يوسف عليه السلام إذ ليس فيه من العبر شيء... وإعادة اسم يوسف عليه السلام لأجل بعد المعاد. وقوله: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} جملة دعائية بقرينة قوله: {إن شاء الله} لكونهم قد دخلوا مصر حينئذٍ. فالأمر في {ادخلوا} للدعاء كالذي في قوله تعالى: {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم} [الأعراف: 49]. والمقصود: تقييد الدخول ب"آمنين" وهو مناط الدعاء. والأمنُ: حالة اطمئنان النفس وراحة البال وانتفاء الخوف من كل ما يخاف منه، وهو يجمع جميع الأحوال الصالحة للإنسان من الصحة والرزق ونحو ذلك. ولذلك قالوا في دعوة إبراهيم عليه السلام {ربّ اجعل هذا البلد آمناً} إنه جمع في هذه الجملة جميع ما يطلب لخير البلد. وجملة {إن شاء الله} تأدب مع الله كالاحتراس في الدعاء الوارد بصيغة الأمر وهو لمجرد التيمّن، فوقوعه في الوعد والعزم والدعاءِ بمنزلة وقوع التسمية في أول الكلام...