المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (24)

24- ذلك العذاب يكون يوم القيامة حيث لا سبيل للإنكار ، بل يثبت عليهم ما ارتكبوا إذ تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بجميع ما ارتكبوا من آثام ، وذلك بظهور آثار مما عملوه عليها ، أو بأن يُنطقها الله الذي أنطق كل شيء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (24)

وقوله { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا أبو يحيى الرازي ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن مُطَرِّف ، عن المِنْهَال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إنهم - يعني : المشركين - إذا رَأوا أنه لا يدخلُ الجنةَ إلا أهل الصلاة ، قالوا : تعالوا حتى نجحد . فيجحدون فيختم [ الله ]{[20960]} على أفواههم ، وتشهد أيديهم وأرجلهم ، ولا يكتمون الله حديثًا .

وقال ابن جرير ، وابن أبي حاتم أيضًا : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة ، عُرف الكافر بعمله ، فيجحد ويخاصم ، فيقال له : هؤلاء جيرانك يشهدون عليك . فيقول : كذبوا . فيقول : أهلك وعشيرتك . فيقول : كذبوا ، فيقول : احلفوا . فيحلفون ، ثم يُصمِتهم الله ، فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم ، ثم يدخلهم النار " {[20961]} .

وقال ابن أبي حاتم أيضًا : حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة الكوفي ، حدثنا مِنْجَاب بن الحارث التميمي{[20962]} حدثنا أبو عامر الأسَدِي ، حدثنا سفيان ، عن عبيد المُكْتب ، عن فُضَيل بن عمرو الفُقَيمي ، عن الشعبي ، عن أنس بن مالك قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نَوَاجذُه ، ثم قال : " أتدرون{[20963]} مِمَّ أضحك ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، يقول : يا رب ، ألم تُجِرْني من الظلم ؟ فيقول : بلى . فيقول : لا أجيز عليَّ شاهدًا إلا من نفسي . فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا ، وبالكرام عليك شهودا{[20964]} فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي فتنطق بعمله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام ، فيقول : بُعدًا لَكُنّ وسُحْقًا ، فعنكُنَّ كنتُ أناضل " .

وقد رواه مسلم والنسائي جميعا ، عن أبي بكر بن أبي النضر ، عن أبيه ، عن عُبَيد الله{[20965]} الأشجعي ، عن سفيان الثوري ، به{[20966]} ثم قال النسائي : لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن سفيان الثوري غير{[20967]} الأشجعي ، وهو حديث غريب ، والله أعلم . هكذا قال .

وقال قتادة : ابن آدم ، والله إن عليك لَشُهودًا غيرَ متهمة من بدنك ، فراقبهم واتق الله في سرك{[20968]} وعلانيتك ، فإنه لا يخفى عليه خافية ، والظلمة عنده ضوء{[20969]} والسر عنده علانية ، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن ، فليفعل ولا قوة إلا بالله .


[20960]:- زيادة من ف ، أ.
[20961]:- تفسير الطبري (18/105) ورواه أبو يعلى في مسنده برقم (1392) من طريق ابن لهيعة ، عن دراج عن أبي الهيثم به ، ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.
[20962]:- في ف : "التيمي".
[20963]:- في ف : "تدرون".
[20964]:- في ف ، أ : "شهيدا".
[20965]:- في أ : "عبد الله".
[20966]:- صحيح مسلم برقم (2969).
[20967]:- في أ : "إلا".
[20968]:- في أ : "سرائرك".
[20969]:- في ف : "ضياء".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (24)

والعامل في قوله { يوم } فعل مضمر يقتضيه «العذاب » أي يعذبونه { يوم } أو نحو هذا{[8655]} ، وأخبر الله تعالى أن جوارحهم تشهد عليهم ذلك من أعظم الخزي والتنكيل فيشهد اللسان وقلب المنافق لا يريد ما يشهد به ، وتشهد الأيدي والأرجل [ وتتكلم ]{[8656]} كلاماً يقدرها الله عليه ، وقرأ جمهور السبعة «تشهد » بالتاء من فوق وقرأ حمزة والكسائي «يشهد » بالياء .


[8655]:نقل القرطبي كلام ابن عطية هنا عن معنى "اللعنة"، وفيه زيادة على ما هنا يقتضيها تمام الكلام ونعتقد أنها من كلام ابن عطية، وهي: "وعى قول من قال: نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون، ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجب ما قبله".
[8656]:ما بين العلامتين زيادة يحتاج إليها المعنى.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (24)

الظرف في قوله : { يوم تشهد عليهم } متعلق بما تعلق به الظرف المجعول خبراً للمبتدأ في قوله : { ولهم عذاب عظيم } . وذكر شهادة ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم للتهويل عليهم لعلهم يتقون ذلك الموقف فيتوبون .

وشهادة الأعضاء على صاحبها من أحوال حساب الكفار .

وتخصيص هذه الأعضاء بالذكر مع أن الشهادة تكون من جميع الجسد كما قال تعالى : { وقالوا لجلودهم لِمَ شهدتم علينا } [ فصلت : 21 ] لأن لهذه الأعضاء عملاً في رمي المحصنات فهم ينطقون بالقذف ويشيرون بالأيدي إلى المقذوفات ويسعون بأرجلهم إلى مجالس الناس لإبلاغ القذف .

وقرأ حمزة والكسائي وخلف { يشهد عليهم } بالتحتية ، وذلك وجه في الفعل المسند إلى ضمير جمع تكسير .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (24)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولهم عذاب عظيم (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) فاليوم الذي في قوله: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) من صلة قوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وعُني بقوله: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) يوم القيامة، وذلك حين يجحد أحدهم ما اكتسب في الدنيا من الذنوب، عند تقرير الله إياه بها فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

تشهد عليهم أعضاؤهم بما عملوا من غير اختيار منهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ثم أتبع ذلك ذكر اليوم الذي يكون فيه أثر ذلك على وجه زاد الأمر عظماً فقال: {يوم تشهد عليهم} أي يوم القيامة في ذلك المجمع العظيم {ألسنتهم} إن ترفعوا عن الكذب {وأيديهم وأرجلهم} إن أنكرت ألسنتهم كذباً وفجوراً ظناً أن الكذب ينفعها {بما كانوا يعملون} من هذا القذف وغيره.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وتخصيص هذه الأعضاء بالذكر مع أن الشهادة تكون من جميع الجسد كما قال تعالى: {وقالوا لجلودهم لِمَ شهدتم علينا} [فصلت: 21] لأن لهذه الأعضاء عملاً في رمي المحصنات فهم ينطقون بالقذف ويشيرون بالأيدي إلى المقذوفات ويسعون بأرجلهم إلى مجالس الناس لإبلاغ القذف.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

نعلم جميعا أن اللسان هو الذي يتكلم، فماذا أضافت الآية: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} قالوا: في الدنيا يتكلم اللسان وينطق، لكن المتكلم في الحقيقة أنت، لأنه ما تحرك إلا بمرادك له، فاللسان آلة خاضعة لإرادتك، إذن: فهو مجرد آلة، أما في الآخرة فسوف ينطق اللسان على غير مراد صاحبه، لأن صاحبه ليس له مراد الآن. ولتقريب هذه المسألة: ألا ترى كيف يخرس الرجل اللبيب المتكلم، ويمسك لسانه بعد طلاقته، بسبب مرض أو نحوه، فلا يستطيع بعدها الكلام، وهو ما يزال في سعة الدنيا. فما الذي حدث؟ مجرد أن تعطلت عنده آلة الكلام، فهكذا الأمر في الآخرة تتعطل إرادتك وسيطرتك على جوارحك كلها، فتنطق وتتحرك، لا بإرادتك، إنما بإرادة الله وقدرته.

فالمعنى {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} أي: شهادة ونطقا على مراد الله، لا على مراد أصحابها...إذن: فاللسان محل القول، وهو طوع إرادتك في الدنيا، أما في الآخرة فقد شلت هذه الإرادة ودخلت في قوله تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (16)} [غافر].

ثم يقول سبحانه: {وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} وهذه جوارح لم يكن لها نطق في الدنيا، لكنها ستنطق اليوم. ويحاول العلماء تقريب هذه المسألة فيقولون: إن الجارحة حين تعمل أي عمل يلتقط لها صورة تسجل ما عملت، فنطقها يوم القيامة أن تظهر هذه الصورة التي التقطت. والأقرب من هذا كله أن نقول: إنها تنطق حقيقة، كما قال تعالى حكاية عن الجوارح: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون (21)} [فصلت]: ومعنى: {الذي أنطق كل شيء} أن لكل شيء في الكون نطقا يناسبه، كما نطقت النملة وقالت: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم.. (18)} [النمل]، ونطق الهدهد، فقال: {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين (22)} [النمل]. وقد قال تعالى عن نطق هذه الأشياء: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم.. (44)} [الإسراء]. لكن، إن أراد الله لك أن تفقه نطقهم فقهك كما فقه سليمان عليه السلام، حين فهم عن النملة: {فتبسم ضاحكا من قولها.. (19)} [النمل]: كما فهم عن الهدهد، وخاطبه في قضية العقيدة. وإن كان النطق عادة يفهم عن طريق الصوت، فلكل خلق نطقه الذي يفهمه جنسه، لذلك نسمع الآن مع تقدم العلوم عن لغة للأسماك، ولغة للنحل... إلخ...ولو سألت هذه الجوارح: لم شهدت علي وأنت التي فعلت؟ لقالت لك: فعلنا لأننا كنا على مرادك مقهورين لك، إنما يوم ننحل عن إرادتك ونخرج عن قهرك، فلن نقول إلا الحق.