{ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ{[5092]} أُجُورَهُمْ } أي : في الدنيا والآخرة ، في الدنيا بالنصر والظفر ، وفي الآخرة بالجنات العاليات { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } .
وأما قوله : { وأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ } فإنه يعني تعالى ذكره : وأما الذين آمنوا بك يا عيسى ، يقول : صدّقوك فأقرّوا بنبوّتك ، وبما جئتهم به من الحقّ من عندي ، ودانوا بالإسلام الذي بعثتك به ، وعملوا بما فرضت من فرائضي على لسانك ، وشرعت من شرائعي ، وسننت من سنني .
كما : حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ } يقول : أدوا فرائضي ، فيوفيهم أجورهم ، يقول : فيعطيهم جزاء أعمالهم الصالحة كاملاً لا يبخسون منه شيئا ولا ينقصونه .
وأما قوله : { وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ } فإنه يعني : والله لا يحبّ من ظلم غيره حقا له ، أو وضع شيئا في غير موضعه . فنفى جلّ ثناؤه عن نفسه بذلك أن يظلم عباده ، فيجازي المسيء ممن كفر جزاء المحسنين ممن آمن به ، أو يجازي المحسن ممن آمن به واتبع أمره وانتهى عما نهاه عنه فأطاعه ، جزاء المسيئين ممن كفر به وكذّب رسله وخالف أمره ونهيه ، فقال : إني لا أحبّ الظالمين ، فكيف أظلم خلقي .
وهذا القول من الله تعالى ذكره ، وإن كان خرج مخرج الخبر ، كأنه وعيد منه للكافرين به وبرسله ، ووعد منه للمؤمنين به وبرسله ، لأنه أعلم الفريقين جميعا أنه لا يبخس هذا المؤمن حقه ، ولا يظلم كرامته ، فيضعها فيمن كفر به ، وخالف أمره ونهيه ، فيكون لها بوضعها في غير أهلها ظالما .
ثم ذكر قسم الإيمان وقرن به الأعمال الصالحات تنبيهاً على درجة الكمال ودعاء إليها ، وقرأ حفص عن عاصم «فيوفيهم » بالياء على الغيبة ، والفعل مسند إلى الله تعالى ، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم «فنوفيهم » بالنون ، وهي نون العظمة ، وتوفية الأجور هي قسم المنازل في الجنة فذلك هو بحسب الأعمال ، وأما نفس دخول الجنة فبرحمة الله وبفضله ، وتقدم نظير قوله { والله لا يحب الظالمين } في قوله قبل { فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } [ آل عمران : 32 ]
إنّ انتفاء محبة الله الظالمين يستلزم أنه يحبّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلذلك يعطيهم ثوابهم وافياً .
ومعنى كونهم ظالمين أنهم ظلَموا أنفسهم بكفرهم وظلَمَ النصارى الله بأن نقصوه بإثبات ولد له وظلموا عيسى بأن نسبوه ابناً للَّه تعالى ، وظلمه اليهود بتكذيبهم إياه وأذاهم .
وعذاب الدنيا هو زوال الملك وضرب الذلة والمسكنة والجزية ، والتشريد في الأقطار ، وكونهم يعيشون تبعاً للناس ، وعذاب الآخرة هو جهنم . ومعنى { وما لهم من ناصرين } أنهم لا يجدون ناصراً يدفع عنهم ذلك وإن حاوله لم يظفَر به وأسند { فنوفيهم } إلى نون العظمة تنبيهاً على عظمة مفعول هذا الفاعل ؛ إذ العظيم يعطى عظيماً . والتقدير { فيوفيهم أجورهم في الدنيا والآخرة } بدليل مقابله في ضدّهم من قوله : { فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة } وتوفية الأجور في الدنيا تظهر في أمور كثيرة : منها رضا اللَّهِ عنهم ، وبَركاته معهم ، والحياة الطيبة ، وحسن الذكر . وجملة { والله لا يحب الظالمين } تذييل ، وفيها اكتفاء : أي ويحبّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
وقرأ الجمهور : فنوفيهم بالنون وقرأه حفص عن عاصم ، ورويس عن يعقوب ، فيوفيهم بياء الغائب على الالتفات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.