اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (57)

قوله : { وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا } الكلام فيه كالكلام في الموصول قبله .

وقد قرأ حفص عن عاصم والحسن " فَيُوَفِّيهِمْ " - بياء الغيبة - والباقون بالنون{[5531]} . فقراءة حفص على الالتفاتِ من التكلُّم إلى الغيبة ؛ تفنُّناً في الفصاحةِ ، وقراءة الباقين جاريةٌ على ما تقدم من اتِّسَاق النظم ، ولكن جاء هناك بالمتكلم وحده ، وهنا بالمتكلم وحده المعظم نفسه ؛ اعتناءً بالمؤمنين ، ورفْعاً من شأنهم ؛ لمَّا كانوا مُعَظَّمِينَ عندَه .

فصل

دَلّتْ هذه الآية على أن العملَ الصالحَ خارجٌ عن مُسَمَّى الإيمان وقد تقدم ذلك ، واستدلوا بالآية على أن العملَ علةٌ للجزاء ؛ لقوله : { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ } فشبههم - في عبادتهم لأجل طلب الثّوابِ بالمستأجر .

واحتج المعتزلة بقوله : { وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّلِمِينَ } - بمنزلة قوله : لا يريد ظُلْمَ الظالمين - على أنه تعالى - لا يريد الكفر والمعاصي ، قالوا : لأن مُرِيدَ الشيء لا بد وأن يكون مُحِبًّا له إذا كان ذلك الشيء من الأفعال ، وإنما تخالف المحبةُ الإرادة إذا علقناهما بالأشخاص ، فقد يقال : أحبّ زيداً ، ولا يقال : أريده . فأما إذا عُلِّقَتا بالأفعال فمعناهما واحد ، إذا استُعْمِلَتَا على حقيقة اللغة ، فصار قوله : { وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } بمنزلة قوله : لا يريد ظلم الظالمين كذا قرره القاضي .

وأجيب بأن المحبةَ عبارة عن إرادة إيصالِ الخيرِ إليه فهو - تعالى - وإن أراد كُفْرَ الكافرِ إلا أنه لا يريد إيصالَ الثواب إلَيْه .


[5531]:ينظر: السبعة 206، والكشف 1/345، والحجة 3/44، 45، والعنوان 79، وحجة القراءات 164، وإعراب القراءات 1/114، وشرح شعلة 315، وشرح الطيبة 4/ 159، وإتحاف 1/480.