52- { وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى } .
وأهلك الله بقدرته قوم نوح بالطوفان الذي أتى عليهم أجمعين ، وقد كانوا أشد ظلما ، وأعظم طغيانا ممن جاء بعدهم ، فقد مكث نوح فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، وما آمن معه إلا قليل منهم ، وهم الذين ركبوا السفينة مع نوح عليه السلام .
{ وَقَوْمَ نُوحٍ } عطف على { عَاداً } أيضاً { مِن قَبْلُ } أي من قبل إهلاك عاد وثمود ، وصرح بالقبلية لأن نوحاً عليه الصلاة والسلام آدم الثاني وقومه أول الطاغين والهالكين .
{ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى } أي من الفريقين حيث كانوا يؤذونه ويضربونه حتى لا يكاد يتحرك وكان الرجل منهم يأخذ بيد ابنه يتمشى به إليه يحذره منه ويقول : يا بني إن أبي مشى بي إلى هذا وأنا مثلك يومئذ فإياك أن تصدقه فيموت الكبير على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه ولم يتأثروا من دعائه وقد دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وقيل : ضمير { أَنَّهُمْ } يعود على جميع من تقدم عاد ، وثمود وقوم نوح أي كانوا أظلم من قريش وأطغى منهم ، وفيه من التسلية للنبي عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى ، و { هُمْ } يجوز أن يكون تأكيداً للضمير المنصوب ويجوز أن يكون فصلاً لأنه واقع بين معرفة وأفعل التفضيل ، وحذف المفضول مع الواقع خبراً لكان لأنه جار مجرى خبر المبتدأ وحذفه فصيح فيه فكذلك في خبر كان .
قوله : { وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى } أي أهلك الله قوم نوح بالطوفان من قبل مهلك عاد وثمود . وقد كانوا أشد من الذين جاءوا من بعدهم كفرا وجحودا وأفظع عتوا وتمردا . وفي ذلك تأنيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليبصر وليعلم أن الله المنتقم الجبار مهلك الظالمين والمجرمين ، وأن العاقبة للمؤمنين المتقين الصابرين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
وأهلك {وقوم نوح} بالغرق {من قبل} هلاك عاد وثمود. {إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} من عاد وثمود، وذلك أن نوحا دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلم يجيبوه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، إنهم كانوا هم أشدّ ظلما لأنفسهم، وأعظم كفرا بربهم، وأشدّ طغيانا وتمردّا على الله من الذين أهلكهم من بعد من الأمم، وكان طغيانهم الذي وصفهم الله به، وأنهم كانوا بذلك أكثر طغيانا من غيرهم من الأمم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وقوم نوح من قبل " معناه وأهلكنا قوم نوح من قبل قوم صالح " " فالأظلم: الأعظم ظلما، والأطغى: الأعظم طغيانا، فالظلم يتعاظم كما يتعاظم الضرر، وعظم الظلم بحسب عظم الزاجر عنه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{من قبل} لأنهم كانوا أول أمة كذبت من أهل الأرض، و {نوح} أول الرسل، وجعلهم {أظلم وأطغى}: لأنهم سبقوا إلى التكذيب دون اقتداء بأحد قبلهم، وأيضاً فإنهم كانوا في غاية من العتو.
أما الظلم فلأنهم هم البادئون به المتقدمون فيه...
وأما أطغى فلأنهم سمعوا المواعظ وطال عليهم الأمد ولم يرتدعوا حتى دعا عليهم نبيهم، ولا يدعو نبي على قومه إلا بعد الإصرار العظيم، والظالم: واضع الشيء في غير موضعه، والطاغي: المجاوز الحد، فالطاغي أدخل في الظلم...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وقيل: إن الكناية ترجع إلى كل من ذكر من عاد وثمود وقوم نوح، أي كانوا أكفر من مشركي العرب وأطغى. فيكون فيه تسلية وتعزية للنبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه يقول له: فاصبر أنت أيضا فالعاقبة الحميدة لك...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وضمير الجمع في {إنهم كانوا} يجوز أن يعود إلى قوم نوح، أي كانوا أظلم وأطغى من عاد وثمود. ويجوز أن يكون عائداً إلى عاد وثمود وقوم نوح والمعنى: إنهم أظلم وأطغى من قومك الذين كذبوك فتكون تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الرسل من قبله لقُوا من أممهم أشد مما لقيه محمد صلى الله عليه وسلم وفيه إيماء إلى أن الله مبق على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يهلكها لأنه قدّر دخول بقيتها في الإسلام ثم أبنائها. وضمير الفصل في قوله {كانوا هم أظلم} لتقوية الخبر...