اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ هُمۡ أَظۡلَمَ وَأَطۡغَىٰ} (52)

قوله : «وَقَوْمَ نُوحٍ » كالذي قبله و«مِنْ قَبْلُ » أي من قبل عادٍ وثمودَ .

وقوله : «إنَّهُمْ » يحتمل أن يكون الضمير لقوم نوح خاصةً ، وأن يكون لجميع من تقدم من الأمم الثلاثة .

قوله : «كانوا هم » يجوز في «هم » أن يكون تأكيداً{[53787]} ، وأن يكون{[53788]} فصلاً . ويضعف أن يكون بدلاً . والمفضل عليه محذوف تقديره : من عادٍ وثمودَ على قولنا : إن الضمير لقوم نوح خاصةً ، وعلى القول بأن الضمير للكل يكون التقدير : من غَيْرِهم من مُشْرِكي العَرَب ، وإن قلنا : إن الضمير لقوم نوح خاصة والمعنى أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود إنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وأطْغَى لطول دعوة نوح إياهم وعُتُوِّهِمْ على الله بالمعصية والتكذيب وهم الباقون بالظلم والمتقدمون فيه ومن سن سنة سيئة فعليه وِزْرها ووزرُ من عمل بها والبادئ أظلم وأما أطغى فلأنهم سمعوا المواعظ وطال عليهم الأمد ولم يرتدعوا حتى دعا عليهم نبيهم ولا يدعو نبي على قومه إلا بَعْدَ الإصرار العظيم والظالم واضع الشيء في غير موضعه ، والطَّاغِي المجاوز للْحَدِّ .

فإن قيل : المراد من الآية تخويف الظالم بالهلاك ، فإذا قيل : إنهم كانوا في غايةِ الظلم والطُّغْيَان فأهلكوا ( ويقول الظالم : هم كانوا أظلم فأهلكوا ){[53789]} لمبالغتهم في الظلم ونحن ما بالغنا ، فلا نهلك ، فلو قال : أهلكوا لظلمهم لخاف كل ظالم فما الفائدة في قوله : أظلم ؟

فالجواب : أن المقصود بيان ( شِدَّتِهِمْ ) وقوة أجسامهم ، فإنهم لم يقدموا على الظلم والطُّغْيَان الشديد إلا بتماديهم وطول أعمارهم ومع ذلك ما نجا أحدٌ منهم فما حال من هو دونهم في العمر{[53790]} . رُوِيَ أن الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه ينطلق به إلى قوم نوحٍ - عليه الصلاة والسلام - يقول : احذر هذا فإنه كذاب ، وإن أبي قد مشى بي إلى هذا ، وقال لي ما قلت لك فيموت الكبير على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه{[53791]} .


[53787]:للواو من كانوا.
[53788]:مع أن جماعة ذكروا أن من فائدة ضمير الفصل التوكيد المعنوي وبنوا عليه أنه لا يجامع التوكيد فلا يقال زيد نفسه هو الفاضل وعلى ذلك سماه بعض الكوفيين دعامة، لأنه يدعم به الكلام أي يقوي ويؤكد فقوله أعلى: تأكيدا لعله يقصد التوكيد غير المعنوي وهذا بعيد. وانظر المغني 496 بتصرف.
[53789]:سقط من ب.
[53790]:وانظر تفسير الرازي 15/24 و25.
[53791]:القرطبي 17/120.