المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا} (21)

19 - إن الإنسان طُبع على الهلع ، شديد الجزع والسخط إذا مسه المكروه والعسر ، شديد المنع والحرمان إذا أصابه الخير واليسر ، إلا المصلين ، الذين هم دائمون على صلاتهم فلا يتركونها في وقت من الأوقات ، فإن الله يعصمهم ويوفقهم إلى الخير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا} (21)

والآن وقد انتهى من تصوير الهول في مشاهد ذلك اليوم ، وفي صورة ذلك العذاب ؛ فإنه يتجه إلى تصوير حقيقة النفس البشرية في مواجهة الشر والخير ، في حالتي إيمانها وخلوها من الإيمان . ويقرر مصير المؤمنين كما قرر مصير المجرمين :

( إن الإنسان خلق هلوعا : إذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا . إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون . والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم . والذين يصدقون بيوم الدين . والذين هم من عذاب ربهم مشفقون . إن عذاب ربهم غير مأمون . والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون . والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون . والذين هم بشهاداتهم قائمون . والذين هم على صلاتهم يحافظون . أولئك في جنات مكرمون ) .

وصورة الإنسان - عند خواء قلبه من الإيمان - كما يرسمها القرآن صورة عجيبة في صدقها ودقتها وتعبيرها الكامل عن الملامح الأصيلة في هذا المخلوق ؛ والتي لا يعصمه منها ولا يرفعه عنها إلا العنصر الإيماني ، الذي يصله بمصدر يجد عنده الطمأنينة التي تمسك به من الجزع عند ملاقاة الشر ، ومن الشح عند امتلاك الخير .

( إن الإنسان خلق هلوعا : إذا مسه الشر جزوعا . وإذا مسه الخير منوعا ) . .

لكأنما كل كلمة لمسة من ريشة مبدعة تضع خطا في ملامح هذا الإنسان . حتى إذا اكتملت الآيات الثلاث القصار المعدودة الكلمات نطقت الصورة ونبضت بالحياة . وانتفض من خلالها الإنسان بسماته وملامحه الثابتة . هلوعا . . جزوعا عند مس الشر ، يتألم للذعته ، ويجزع لوقعه ، ويحسب أنه دائم لا كاشف له . ويظن اللحظة الحاضرة سرمدا مضروبا عليه ؛ ويحبس نفسه بأوهامه في قمقم من هذه اللحظة وما فيها من الشر الواقع به . فلا يتصور أن هناك فرجا ؛ ولا يتوقع من الله تغييرا . ومن ثم يأكله الجزع ، ويمزقه الهلع . ذلك أنه لا يأوي إلى ركن ركين يشد من عزمه ، ويعلق به رجاءه وأمله . . منوعا للخير إذا قدر عليه . يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به على غيره ، ويحتجنه لشخصه ، ويصبح أسير ما ملك منه ، مستعبدا للحرص عليه ! ذلك أنه لا يدرك حقيقة الرزق ودوره هو فيه . ولا يتطلع إلى خير منه عند ربه وهو منقطع عنه خاوي القلب من الشعور به . . فهو هلوع في الحالتين . . هلوع من الشر . هلوع على الخير . . وهي صورة بائسة للإنسان ، حين يخلو قلبه من الإيمان .

ومن ثم يبدو الإيمان بالله مسألة ضخمة في حياة الإنسان . لا كلمة تقال باللسان ، ولا شعائر تعبدية تقام . إنه حالة نفس ومنهج حياة ، وتصور كامل للقيم والأحداث والأحوال . وحين يصبح القلب خاويا من هذا المقوم فإنه يتأرجح ويهتز وتتناوبه الرياح كالريشة ! ويبيت في قلق وخوف دائم ، سواء أصابه الشر فجزع ، أم أصابه الخير فمنع . فأما حين يعمره الإيمان فهو منه في طمأنينة وعافية ، لأنه متصل بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال ؛ مطمئن إلى قدره شاعر برحمته ، مقدر لابتلائه ، متطلع دائما إلى فرجه من الضيق ، ويسره من العسر . متجه إليه بالخير ، عالم أنه ينفق مما رزقه ، وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله ، معوض عنه في الدنيا والآخرة . . فالإيمان كسب في الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة ، يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدنيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا} (21)

وقوله { إذا مسه } ، الآية ، مفسر للهلع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا} (21)

وانتصب { جزوعاً } على الحال من الضمير المستتر في { هلوعاً ، } أو على البدل بدل اشتمال لأن حال الهلع يشتمل على الجزع عند مس الشر .

وقوله : { منوعاً } عطف على { جزوعاً ، } أي خلق هلوعاً في حال كونه جزوعاً إذا مسه الشر ، ومنوعاً إذا مسه الخير .

و { الشر } : الأذى مثل المرض والفقر .

و { الخير } : ما ينفع الإنسان ويلائم رغباته مثل الصحة والغنى .

والجزوع : الشديد الجزع ، والجزع : ضد الصبر .

والمنوع : الكثير المنع ، أي شديد المنع لبذل شيء مما عنده من الخير .

و { إذا } في الموضعين ظرفان يتعلقان كل واحد بما اتصل به من وصفي { جزوعاً ومنوعاً .