الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا} (21)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وإذا مسه الخير} يعني المال {منوعا} فمنع وبخل بحق الله تعالى.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وإذا كثر ماله، ونال الغني فهو منوع لما في يده، بخيل به، لا ينفقه في طاعة الله، ولا يؤدّي حقّ الله منه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا} المراد من الشر والخير الفقر والغنى أو المرض والصحة، فالمعنى أنه إذا صار فقيرا أو مريضا أخذ في الجزع والشكاية.

وإذا صار غنيا أو صحيحا أخذ في منع المعروف وشح بماله ولم يلتفت إلى الناس، فإن قيل: حاصل هذا الكلام أنه نفور عن المضار طالب للراحة، وهذا هو اللائق بالعقل فلم ذمه الله عليه؟

قلنا: إنما ذمه عليه لأنه قاصر النظر على الأحوال الجسمانية العاجلة، وكان من الواجب عليه أن يكون مشغولا بأحوال الآخرة، فإذا وقع في مرض أو فقر وعلم أنه فعل الله تعالى كان راضيا به، لعلمه أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وإذا وجد المال والصحة صرفهما إلى طلب السعادات الأخروية.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 19]

والآن وقد انتهى من تصوير الهول في مشاهد ذلك اليوم، وفي صورة ذلك العذاب؛ فإنه يتجه إلى تصوير حقيقة النفس البشرية في مواجهة الشر والخير، في حالتي إيمانها وخلوها من الإيمان. ويقرر مصير المؤمنين كما قرر مصير المجرمين...

وصورة الإنسان -عند خواء قلبه من الإيمان- كما يرسمها القرآن صورة عجيبة في صدقها ودقتها وتعبيرها الكامل عن الملامح الأصيلة في هذا المخلوق؛ والتي لا يعصمه منها ولا يرفعه عنها إلا العنصر الإيماني، الذي يصله بمصدر يجد عنده الطمأنينة التي تمسك به من الجزع عند ملاقاة الشر، ومن الشح عند امتلاك الخير.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 20]

يراد ب «الهلوع» كما يقول المفسّرون وأصحاب اللغة «الحريص»، وآخرون فسّروه بالجزع، وبناءً على التّفسير الأوّل فإنّه يشار إلى ثلاثة أُمور رذيلة يتصف بها هؤلاء وهي: الحرص، والجزع، والبخل، وللتّفسير الثّاني صفتان هما: الجزع، والبخل، لأنّ الثّانية والثّالثة هي تفسير لمعنى الهلوع. وهنا احتمال آخر وهو أنّ المعنيين يجتمعان في هذه الكلمة، لأنّ هاتين الصفتين متلازمتان مع بعضهما، فالناس الحريصون غالباً ما يكونون بخلاء، ويجزعون عند الشدائد، بالعكس أيضاً صحيح. وهنا يطرح هذا السؤال، وهو كيف أنّ اللّه خلق الإنسان للسعادة والكمال وجعل فيه الشرّ والسوء؟ وهل بمكن أن يخلق اللّه شيئاً ذا متصفاً بصفة، ثمّ وبعد يذم خلقه؟ بالإضافة إلى ذلك فإنّ القرآن الكريم يصرّح في سورة التين الآية (4): (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). بالتأكيد ليس من أن ظاهر الإنسان حسن وباطنه سيء، بل إنّ الخلقة الكلية للإنسان هي في صورة «أحسن تقويم»، وهناك كذلك آيات أُخرى تمدح المقام الرفيع للإنسان، فكيف تتفق هذه الآيات مع الآية التي نحن بصددها؟ أجوبة هذه الأسئلة تتّضح بالالتفات إلى نقطة واحدة، وهي أنّ اللّه خلق القوى والغرائز والصفات في الإنسان كوسائل لتكامل الإنسان وبلوغ سعادته، لكن عندما يستخدمها الإنسان في الطريق المنحرف ويسيء تدبيرها والاستفادة منها فستكون العاقبة هي التعاسة والشرّ والفساد، فمثلاً الحرص هو الذي لا يتيح فرصة للإنسان للتوقف عن السعي والحركة والاكتفاء بما لديه من نعمة وهو العطش المحرق الذي يسيطر على الإنسان، فلو أنّ هذه الصفة وقعت في طريق العلم لوجدنا الإنسان حريصاً على التعلم، أو بعبارة أخرى يتعطش العلم ويعشقه، وبذلك سوف يكون سبباً لكماله، وأمّا إذا أخذت مسيرها في الماديات فإنّها ستكون سبباً للتعاسة والبخل، وبتعبير آخر: إنّ هذه الصفة فرع من فروع حبّ الذات، وحبّ الذات غريزة توصل الإنسان إلى الكمال، ولكن إذا انحرف في مسيره فإنّه سوف يجرّه إلى الحسد والبخل وإلى غير ذلك. وفي هذا الشأن هناك مواهب أُخرى أيضاً بهذا الشكل: إنّ اللّه أودع قدرة عظيمة في قلب الذرة، من المؤكد أنّها نافعة ومفيدة، ولكن إذا ما أسيء استخدام هذه القدرة وصنع من ذلك القنابل الفتاكة ولم يستخدم في توليد الطاقة الكهربائية والوسائل الصناعية والسلية الأخرى، فسيكون مدعاة للشرّ والفساد، وبالتعمق فيما ذكرنا يمكن أن الجمع في ما ورد في الإنسان وذلك من خلال الآيات القرآنية المبيّنة لحالات الإنسان.