في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ} (2)

1

( عبس وتولى . أن جاءه الأعمى ) . . بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب ! وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب - سبحانه - أن يواجه به نبيه وحبيبه . عطفا عليه ، ورحمة به ، وإكراما له عن المواجهة بهذا الأمر الكريه !

/خ16

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ} (2)

و { أن } : مفعول من أجله ، وقرأ الحسن { أن جاءه } بمدة تقرير وتوقيف والوقف مع هذه القراءة على { تولى } وهي قراءة عيسى{[11617]} . وذكر الله تعالى ابن مكتوم بصفة العمى ليظهر المعنى الذي شأن البشر احتقاره ، وبين أمره بذكر ضده من غنى ذلك الكافر ، وفي ذلك دليل على أن ذكر هذه العاهات متى كانت المنفعة أو لأن شهرتها تعرف السامع صاحبها دون لبس جائز ، ومنه قول المحدثين سلمان الأعمش وعبد الرحمن الأعرج وسالم الأفطس ونحو هذا .

ومتى ذكرت هذه الأشياء على جهة التنقيص فتلك الغيبة ، وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة تذكر امرأة ، فقالت : إنها القصيرة ، فقال لها : لقد قلت كلمة لو مزجت بالبحر لمزجته{[11618]} .


[11617]:الذي في البحر المحيط أن الحسن، وأبا عمران الجوني، وعيسى قرءوا بهمزة ومدة بعدها. وفي المحتسب (آن جاءه (بالمد).
[11618]:أخرجه أبو داود في الأدب، والترمذي في القيامة، وأحمد في مسنده (6/189)، ولفظه كما في مسند أحمد: عن أبي حذيفة، وكان من أصحاب عبد الله، وكان طلحة يحدث عنه، عن عائشة قالت: (حكيت للنبي صلى الله عليه وسلم رجلان فقال: ما يسرني أني حكيت رجلا وأن لي كذا وكذا، قالت: فقلت: يا رسول الله، إن صفية امرأة –وقال بيده كأنه يعني قصيرة- فقال: لقد مزجت بكلمة لو مزج بها ماء البحر مزجت)، قال عبد الله- ابن الإمام احمد-: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ} (2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"عَبَسَ": قَبَضَ وجهه تكرّها، "وَتَوَلّى "يقول: وأعرض "أنْ جاءَهُ الأعْمَى" يقول: لأن جاءه الأعمى. وقد ذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يطوّل الألف ويمدّها من أنْ جاءَهُ فيقول: «آنْ جاءَهُ»، وكأنّ معنى الكلام كان عنده: أَأن جاءه الأعمى عبس وتولى؟... وذُكر أن الأعمى الذي ذكره الله في هذه الآية، هو ابن أمّ مكتوم، عوتب النبيّ صلى الله عليه وسلم بسببه...

حدثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدثنا أبي، عن هشام بن عُروة مما عرضه عليه عُروة، عن عائشة قالت: أنزلت "عَبَسَ وَتَوَلّى" في ابن أمّ مكتوم، قالت: أَتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعْرِض عنه، ويُقْبِل على الآخر، ويقول: «أَتَرَى بِما أقُولُهُ بأْسا؟» فيقول: لا، ففي هذا أُنزلت: "عَبَسَ وتَوَلّى".

عن ابن عباس قوله: عَبَسَ وَتَوّلى أنْ جاءَهُ الأعْمَى قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدّى لهم كثيرا، ويَحرِص عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى، يقال له عبد الله بن أم مكتوم، يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرئ النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن، وقال: يا رسول الله، عَلّمني مما علّمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعَبَس في وجهه وتوّلى، وكرِه كلامه، وأقبل على الآخرين، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك الله بعض بصره، ثم خَفَق برأسه، ثم أنزل الله: "عَبَسَ وَتَولّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى أوْ يَذّكّرُ فَتَنْفَعَهُ الذّكْرَى"، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلّمه، وقال له: «ما حاجَتُك، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ؟» وإذا ذهب من عنده قال له: «هَل لَكَ حاجَةٌ فِي شَيْءٍ؟» وذلك لما أنزل الله: "أمّا مَنِ اسْتَغْنَى فأنْتَ لَهُ تَصَدّى وَما عَلَيْكَ ألاّ يَزّكّى".

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

معناه: عبس، لأن جاءه الأعمى. أو أعرض لذلك... ووقف على {عَبَسَ وتولى} ثم ابتدئ، على معنى: ألأن جاءه الأعمى فعل ذلك إنكاراً عليه. وروى أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط... وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك، كأنه يقول: قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى، وكان يجب أن يزيده لعماه تعطفا وترؤفاً وتقريباً وترحيباً.

ولقد تأدّب الناس بأدب الله في هذا تأدباً حسناً؛ فقد روي عن سفيان الثوري رحمه الله أنّ الفقراء كانوا في مجلسه أمراء...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وذكر الله تعالى ابن مكتوم بصفة العمى ليظهر المعنى الذي شأن البشر احتقاره، وبين أمره بذكر ضده من غنى ذلك الكافر، وفي ذلك دليل على أن ذكر هذه العاهات متى كانت المنفعة أو لأن شهرتها تعرف السامع صاحبها دون لبس جائز، ومنه قول المحدثين سلمان الأعمش وعبد الرحمن الأعرج وسالم الأفطس ونحو هذا. ومتى ذكرت هذه الأشياء على جهة التنقيص فتلك الغيبة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وعبر عن ابن أم مكتوم ب {الأعمى} ترقيقاً للنبيء صلى الله عليه وسلم ليكون العتاب ملحوظاً فيه أنه لما كان صاحب ضَرارة فهو أجدر بالعناية به، لأن مثله يكون سريعاً إلى انكسار خاطره...

.ولما كان صدور ذلك من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لم يشأ الله أن يفاتحه بما يتبادر منه أنه المقصود بالكلام، فوجهه إليه على أسلوب الغيبة ليكون أول ما يقرع سمعه باعثاً على أن يترقب المعنيَّ من ضمير الغائب فلا يفاجئه العتاب، وهذا تلطف من الله برسوله صلى الله عليه وسلم ليقع العتاب في نفسه مدرجاً وذلك أهون وقعاً، ونظير هذا قوله: {عفا اللَّه عنك لم أذنت لهم} [التوبة: 43]...

فكذلك توجيه العتاب إليه مسنداً إلى ضمير الغائب ثم جيء بضمائر الغيبة فذكر الأعمى تظهر المراد من القصة واتضح المراد من ضمير الغيبة. ثم جيء بضمائر الخطاب على طريقة الالتفات. ويظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم رجا من ذلك المجلس أن يُسلموا فيسلم بإسلامهم جمهور قريش أو جميعهم فكان دخول ابن أم مكتوم قطعاً لسلك الحديث وجعل يقول للنبيء صلى الله عليه وسلم يا رسول الله استدنني، علمني، أرشدني، ويناديه ويكثر النداء والإِلحاح فظهرت الكراهية في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم لعله لقطعه عليه كلامه وخشيته أن يفترق النفر المجتمعون، وفي رواية الطبري أنه استقرأ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن...