وقوله : { ألا } استفتاح يقتضي إقبال السامع على ما يقال له ، فاستفتح الإخبار على أنهم في شك وريب وضلال أداهم إلى الشك في البعث .
وقرأ جمهور الناس : «في مِرية » بكسر الميم . وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن : «في مُرية » بضم الميم ، والمعنى واحد ، ثم استفتح الإخبار بإحاطته بكل شيء على معنى الوعيد لهم ، وإحاطته تعالى هي بالقدرة والسلطان ، لا إله إلا هو ، العزيز الحكيم .
تذييلان للسورة وفذلكتان افتتحا بحرف التنبيه اهتماماً بما تضمناه . فأما التذييل الأول فهو جُماع ما تضمنته السورة من أحوال المشركين المعاندين إذ كانت أحوالهم المذكورة فيها ناشئة عن إنكارهم البعث فكانوا في مأمن من التفكير فيما بعد هذه الحياة ، فانحصرت مساعيهم في تدبير الحياة الدّنيا وانكبُّوا على ما يعود عليهم بالنفع فيها . وضمير { إنهم } عائد إليهم كما عاد ضمير الجمع في { سنريهم } [ فصلت : 53 ] .
وأما التذييل الثاني فهو جامع لكل ما تضمنته السورة من إبطاللٍ لأقوالهم وتقويممٍ لاعوجاجهم ، لأن ذلك كله من آثار علم الله تعالى بالغيب والشهادة . وتأكيد الجملتين بحرف التأكيد مع أن المخاطب بهما لا يشكّ في ذلك لقصد الاهتمام بهما واستدعاء النّظر لاستخراج ما تحويانه من المعاني والجزئيات .
والمرية بكسر الميم وهو الأشهر فيها واتفقت عليه القراءات المتواترة ، وبكسر الميم وهو لغة مثل : خِفْية وخُفية . والمرية : الشك . وحرف الظرفية مستعار لتمكن الشك بهم حتى كأنّهم مظروفون فيه و { مِنْ } ابتدائية وتعدى بها أفعال الشك إلى الأمر المشكوك فيه بتنزيل متعلق الفعل منزلة مثار الفعل بتشبيه المفعول بالمَنشإ كأن الشك جاء من مكان هو المشكوك فيه .
وفي تعليقه بذات الشيء مع أن الشك إنما يتعلق بالأحكام مبالغة على طريقة إسناد الأمور إلى الأعيان والمرادُ أوصافها ، فتقدير { في مرية من لقاء ربهم } : في مرية من وقوع لقاء ربّهم وعدممِ وقوعه كقوله تعالى : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا } [ البقرة : 23 ] أي في ريب من كونه منزلاً . وأطلق الشك على جزمهم بعدم وقوع البعث لأن جزمهم خلي عن الدّليل الذي يقتضيه ، فكان إطلاق الشك عليه تعريضاً بهم بأن الأوْلى بهم أن يكونوا في شك على الأقل .
ووصف الله بالمحيط مجاز عقلي لأن المحيط بكل شيء هو علمه فأسندت الإحاطة إلى اسم الله لأن ( المحيط ) صفة من أوصافه وهو العلم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم} يعني في شك من البعث وغيره، {ألا إنه بكل شيء محيط}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ألا إن هؤلاء المكذّبين بآيات الله في شكّ من لقاء ربهم، يعني أنهم في شكّ من البعث بعد الممات، ومعادهم إلى ربهم...
وقوله:"ألا إنّهُ بِكُلّ شَيْءٍ مُحِيطٌ" يقول تعالى ذكره: ألا أن الله بكل شيء مما خلق محيط علماً بجميعه، وقُدرةً عليه، لا يعزب عنه علم شيء منه أراده فيفوته، ولكن المقتدر عليه العالم بمكانه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي ألا شكُّهم ومريتُهم في البعث، هو الذي حملهم على تكذيب ما جاء من عند الله وإنكاره.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ألا} استفتاح يقتضي إقبال السامع على ما يقال له... ثم استفتح الإخبار بإحاطته بكل شيء على معنى الوعيد لهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما لم يبق بعد هذا لمتعنت مقال، ولا شبهة أصلاً لضال، كان موضع المناداة على من استمر على عناده بقوله مؤكداً لادعائهم إنهم على جلية من أمرهم {ألا إنهم} أي الكفرة {في مرية} أي جحد وجدال وشك وضلال على العبث.
{من لقاء} وصرف القول إلى إضافة وصف الإحسان إليهم؛ إشارة إلى أنه لا بد من كمال تربيتهم بالبعث لأنه أحكم الحاكمين فقال: {ربهم} أي المحسن إليهم بأن خلقهم ورزقهم للحساب والجزاء بالثواب والعقاب، كما هو شأن كل حكيم فيمن تحت أمره، فعما قليل يجمعهم على الحق ويبدلهم بالمرية إذعاناً وبالشك يقيناً وبرهاناً، فرحمته عامة لجميع أهل الوجود وخاصة لمن منَّ عليه بالإيمان الموصل إلى راحة الأمان، فكيف يتصور في عقل أن يترك البعث ليوم الفصل الذي هو مدار الحكمة، ومحط إظهار النعمة والنقمة، وقد علم بذلك انطباق آخرها المادح للكتاب المقرر للبعث والحساب على أولها المفصل للقرآن المفيض لقسمي الرحمة: العامة والخاصة لأهل الأكوان، على ما اقتضاه العدل والإحسان، بالبشارة لأهل الإيمان، والنذارة لأهل الطغيان.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تذييلان للسورة وفذلكتان افتتحا بحرف التنبيه اهتماماً بما تضمناه. فأما التذييل الأول فهو جُماع ما تضمنته السورة من أحوال المشركين المعاندين إذ كانت أحوالهم المذكورة فيها ناشئة عن إنكارهم البعث فكانوا في مأمن من التفكير فيما بعد هذه الحياة، فانحصرت مساعيهم في تدبير الحياة الدّنيا وانكبُّوا على ما يعود عليهم بالنفع فيها. وضمير {إنهم} عائد إليهم كما عاد ضمير الجمع في {سنريهم} [فصلت: 53].
وأما التذييل الثاني فهو جامع لكل ما تضمنته السورة من إبطالٍ لأقوالهم وتقويمٍ لاعوجاجهم، لأن ذلك كله من آثار علم الله تعالى بالغيب والشهادة. وتأكيد الجملتين بحرف التأكيد مع أن المخاطب بهما لا يشكّ في ذلك لقصد الاهتمام بهما واستدعاء النّظر لاستخراج ما تحويانه من المعاني والجزئيات.
والمرية بكسر الميم وهو الأشهر فيها واتفقت عليه القراءات المتواترة، وبكسر الميم وهو لغة مثل: خِفْية وخُفية. والمرية: الشك. وحرف الظرفية مستعار لتمكن الشك بهم حتى كأنّهم مظروفون فيه و {مِنْ} ابتدائية وتعدى بها أفعال الشك إلى الأمر المشكوك فيه بتنزيل متعلق الفعل منزلة مثار الفعل بتشبيه المفعول بالمَنشإ كأن الشك جاء من مكان هو المشكوك فيه.
وفي تعليقه بذات الشيء مع أن الشك إنما يتعلق بالأحكام مبالغة على طريقة إسناد الأمور إلى الأعيان والمرادُ أوصافها، فتقدير {في مرية من لقاء ربهم}: في مرية من وقوع لقاء ربّهم وعدمِ وقوعه كقوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} [البقرة: 23] أي في ريب من كونه منزلاً. وأطلق الشك على جزمهم بعدم وقوع البعث لأن جزمهم خلي عن الدّليل الذي يقتضيه، فكان إطلاق الشك عليه تعريضاً بهم بأن الأوْلى بهم أن يكونوا في شك على الأقل.
ووصف الله بالمحيط مجاز عقلي لأن المحيط بكل شيء هو علمه فأسندت الإحاطة إلى اسم الله لأن (المحيط) صفة من أوصافه وهو العلم.
وبهاتين الفذلكتين آذن بانتهاء الكلام فكان من براعة الختام.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الآية الأخيرة في السورة تشير إلى الأساس والسبب في شقاء هذه المجموعة المشركة الفاسدة، إذ يقول تعالى عنهم: (ألا إنّهم في مرية من لقاء ربّهم). ولأنّهم لا يؤمنون بيوم الحساب والجزاء، فهم يقومون بأنواع الجرائم والمعاصي مهما كانت، ومهما بلغت. إنّ حجب الغفلة والغرور تهيمن على هؤلاء فتنسيهم لقاء الله، ممّا يؤدي بهم إلى السقوط عن مصاف الإنسانية. ولكنّهم يجب أن يعلموا: (ألا إنّهُ بكل شيء محيط). إنّ جميع أعمالهم ونواياهم حاضرة في علم الله، وكل ذلك يسجّل لمحكمة القيامة والحشر.