المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

62- فاسجدوا لله الذي أنزل القرآن هدى للناس ، وأفْرِدوه بالعبادة جل جلاله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

وهنا يرسلها صيحة مدوية ، ويصرخ في آذانهم وقلوبهم ، ويهتف بهم إلى ما ينبغي أن يتداركوا به أنفسهم ، وهم على حافة الهاوية :

( فاسجدوا لله واعبدوا ) .

وإنها لصيحة مزلزلة مذهلة في هذا السياق ، وفي هذه الظلال ، وبعد هذا التمهيد الطويل ، الذي ترتعش له القلوب :

ومن ثم سجدوا . سجدوا وهم مشركون . وهم يمارون في الوحي والقرآن . وهم يجادلون في الله والرسول !

سجدوا تحت هذه المطارق الهائلة التي وقعت على قلوبهم والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يتلو هذه السورة عليهم . وفيهم المسلمون والمشركون . ويسجد فيسجد الجميع . مسلمين ومشركين . لا يملكون أن يقاوموا وقع هذا القرآن ؛ ولا أن يتماسكوا لهذا السلطان . . ثم أفاقوا بعد فترة فإذا هم في ذهول من سجودهم كذهولهم وهم يسجدون !

بهذا تواترت الروايات . ثم افترقت في تعليل هذا الحادث الغريب . وما هو في الحقيقة بالغريب . فهو تأثير القرآن العجيب ووقعه الهائل في القلوب !

هذا الحادث الذي تواترت به الروايات . حادث سجود المشركين مع المسلمين . كان يحتاج عندي إلى تعليل . قبل أن تقع لي تجربة شعورية خاصة عللته في نفسي ، وأوضحت لي سببه الأصيل .

وكنت قد قرأت تلك الروايات المفتراة عما سمي بحديث الغرانيق ، الذي أورده ابن سعد في طبقاته ، وابن جرير الطبري في تاريخه . وبعض المفسرين عند تفسيرهم لقوله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ، ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ) . . . الخ . . وهي الروايات التي قال فيها ابن كثير - جزاه الله خيرا - [ ولكنها من طرق كلها مرسلة . ولم أرها مسندة من وجه صحيح ] .

وأكثر هذه الروايات تفصيلا وأقلها إغراقا في الخرافة والافتراء على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] رواية ابن أبي حاتم . قال : حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي ، حدثنا محمد بن إسحاق الشيبي ، حدثنا محمد ابن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب . قال : أنزلت سورة النجم ، وكان المشركون يقولون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ؛ ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر . وكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم ، وأحزنه ضلالهم ؛ فكان يتمنى هداهم . فلما أنزل الله سورة النجم قال : ( أفرأيتم اللات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ? )ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت فقال : وإنهن لهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى . . وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته . . فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة . وزلت بها ألسنتهم . وتباشروا بها . وقالوا : إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه . . فلما بلغ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] آخر النجم سجد ، وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك . غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا فرفع ملء كفه ترابا فسجد عليه . فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين . ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان في مسامع المشركين . . فاطمأنت أنفسهم - أي المشركون - لما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وحدثهم به الشيطان أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قد قرأها في السورة ، فسجدوا لتعظيم آلهتهم . ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين : عثمان بن مظعون وأصحابه . وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم ، وصلوا مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه ، وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة ، فأقبلوا سراعا ، وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان ، وأحكم الله آياته ، وحفظه من الفرية . وقال : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي . . . الخ . . فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان ، انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم على المسلمين ، واشتدوا عليهم " . . انتهى .

وهناك روايات أخرى أجرأ على الافتراء تنسب قولة الغرانيق . . تلك . . إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتعلل هذا برغبته - حاشاه [ صلى الله عليه وسلم ] في مرضاة قريش ومهادنتها ! ! !

وقد رفضت منذ الوهلة الأولى تلك الروايات جميعا . . فهي فضلا عن مجافاتها لعصمة النبوة وحفظ الذكر من العبث والتحريف ، فإن سياق السورة ذاته ينفيها نفيا قاطعا . إذ أنه يتصدى لتوهين عقيدة المشركين في هذه الآلهة وأساطيرهم حولها . فلا مجال لإدخال هاتين العبارتين في سياق السورة بحال . حتى على قول من قال : إن الشيطان ألقى بهما في أسماع المشركين دون المسلمين . فهؤلاء المشركون كانوا عربا يتذوقون لغتهم . وحين يسمعون هاتين العبارتين المقحمتين ويسمعون بعدهما : ألكم الذكر وله الأنثى ? تلك إذا قسمة ضيزى . إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ، ما أنزل الله بها من سلطان . . الخ . ويسمعون بعد ذلك : إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى وما لهم به من علم . إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا . . ويسمعون قبله : ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) . . حين يسمعون هذا السياق كله فإنهم لا يسجدون مع الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لأن الكلام لا يستقيم . والثناء على آلهتهم وتقرير أن لها شفاعة ترتجى لا يستقيم . وهم لم يكونوا أغبياء كغباء الذين افتروا هذه الروايات ، التي تلقفها منهم المستشرقون مغرضين أو جاهلين !

لغير هذا السبب إذن سجد المشركون . ولغير هذا السبب عاد المهاجرون من الحبشة ثم عادوا إليها بعد حين مع آخرين .

وليس هنا مجال تحقيق سبب عودة المهاجرين ، ثم عودتهم إلى الحبشة مع آخرين . .

فأما أمر السجود فهو الذي نتصدى له في هذه المناسبة . .

لقد بقيت فترة أبحث عن السبب الممكن لهذا السجود . ويخطر لي احتمال أنه لم يقع ؛ وإنما هي رواية ذكرت لتعليل عودة المهاجرين من الحبشة بعد نحو شهرين أو ثلاثة . وهو أمر يحتاج إلى التعليل .

وبينما أنا كذلك وقعت لي تلك التجربة الشعورية الخاصة التي أشرت إليها من قبل . .

كنت بين رفقة نسمر حينما طرق أسماعنا صوت قارئ للقرآن من قريب ، يتلو سورة النجم . فانقطع بيننا الحديث ، لنستمع وننصت للقرآن الكريم . وكان صوت القارئ مؤثرا وهو يرتل القرآن ترتيلا حسنا .

وشيئا فشيئا عشت معه فيما يتلوه . عشت مع قلب محمد [ صلى الله عليه وسلم ] في رحلته إلى الملأ الأعلى . عشت معه وهو يشهد جبريل - عليه السلام - في صورته الملائكية التي خلقه الله عليها . ذلك الحادث العجيب المدهش حين يتدبره الإنسان ويحاول تخيله ! وعشت معه وهو في رحلته العلوية الطليقة . عند سدرة المنتهى . وجنة المأوى . عشت معه بقدر ما يسعفني خيالي ، وتحلق بي رؤاي ، وبقدر ما تطيق مشاعري وأحاسيسي . .

وتابعته في الإحساس بتهافت أساطير المشركين حول الملائكة وعبادتها وبنوتها وأنوثتها . . إلى آخر هذه الأوهام الخرفة المضحكة ، التي تتهاوى عند اللمسة الأولى .

ووقفت أمام الكائن البشري ينشأ من الأرض ، وأمام الأجنة في بطون الأمهات . وعلم الله يتابعها ويحيط بها .

وارتجف كياني تحت وقع اللمسات المتتابعة في المقطع الأخير من السورة . . الغيب المحجوب لا يراه إلا الله . والعمل المكتوب لا يند ولا يغيب عن الحساب والجزاء . والمنتهى إلى الله في نهاية كل طريق يسلكه العبيد . والحشود الضاحكة والحشود الباكية . وحشود الموتى . وحشود الأحياء . والنطفة تهتدي في الظلمات إلى طريقها ، وتخطو خطواتها وتبرز أسرارها فإذا هي ذكر أو أنثى . والنشأة الأخرى . ومصارع الغابرين . والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى !

واستمعت إلى صوت النذير الأخير قبل الكارثة الداهمة : ( هذا نذير من النذر الأولى . أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة ) . .

ثم جاءت الصيحة الأخيرة . واهتز كياني كله أمام التبكيت الرعيب : ( أفمن هذا الحديث تعجبون . وتضحكون ولا تبكون . وأنتم سامدون ? ) .

فلما سمعت : ( فاسجدوا لله واعبدوا ) . . كانت الرجفة قد سرت من قلبي حقا إلى أوصالي . واستحالت رجفة عضلية مادية ذات مظهر مادي ، لم أملك مقاومته . فظل جسمي كله يختلج ، ولا أتمالك أن أثبته ولا أن أكفكف دموعا هاتنة ، لا أملك احتباسها مع الجهد والمحاولة !

وأدركت في هذه اللحظة أن حادث السجود صحيح ، وأن تعليله قريب . إنه كامن في ذلك السلطان العجيب لهذا القرآن ، ولهذه الإيقاعات المزلزلة في سياق هذه السورة . ولم تكن هذه أول مرة أقرأ فيها سورة النجم أو أسمعها . ولكنها في هذه المرة كان لها هذا الوقع ، وكانت مني هذه الاستجابة . . وذلك سر القرآن . . فهناك لحظات خاصة موعودة غير مرقوبة تمس الآية أو السورة فيها موضع الاستجابة ؛ وتقع اللمسة التي تصل القلب بمصدر القوة فيها والتأثير . فيكون منها ما يكون !

لحظة كهذه مست قلوب الحاضرين يومها جميعا . ومحمد [ صلى الله عليه وسلم ] يقرأ هذه السورة يقرؤها بكيانه كله . ويعيش في صورها التي عاشها من قبل بشخصه . وتنصب كل هذه القوة الكامنة في السورة من خلال صوت محمد [ صلى الله عليه وسلم ] في أعصاب السامعين . فيرتجفون ويسمعون : ( فاسجدوا لله واعبدوا )ويسجد محمد والمسلمون . . فيسجدون . .

ولقد يقال : إنك تقيس على لحظة مرت بك ، وتجربة عانيتها أنت . وأنت مسلم . تعتقد بهذا القرآن ، وله في نفسك تأثير خاص . . وأولئك كانوا مشركين يرفضون الإيمان ويرفضون القرآن !

ولكن هنالك اعتبارين لهما وزنهما في مواجهة هذا الذي يقال :

الاعتبار الأول : أن الذي كان يقرأ السورة كان هو محمد [ صلى الله عليه وسلم ] النبي . الذي تلقى هذا القرآن مباشرة من مصدره . وعاشه وعاش به . وأحبه حتى لكان يثقل خطاه إذا سمع من يرتله داخل داره ، ويقف إلى جانب الباب يسمع له حتى ينتهي ! وفي هذه السورة بالذات كان يعيش لحظات عاشها في الملأ الأعلى . وعاشها مع الروح الأمين وهو يراه على صورته الأولى . . فأما أنا فقد كنت أسمع السورة من قارئ . والفارق ولا شك هائل !

والاعتبار الثاني : أن أولئك المشركين لم تكن قلوبهم ناجية من الرعشة والرجفة ، وهم يستمعون إلى محمد [ صلى الله عليه وسلم ] إنما كان العناد المصطنع هو الذي يحول بينهم وبين الإذعان . . والحادثان التاليان شاهد على ما كان يخالج قلوبهم من الارتعاش .

روى ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب ، من طريق محمد بن اسحاق ، عن عثمان بن عروة ، ابن الزبير ، عن أبيه ، عن هناد بن الأسود ، قال : كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزوا إلى الشام ، فتجهزت معهما ، فقال ابنه عتبة : والله لأنطلقن إلى محمد ، ولأوذينه في ربه " سبحانه وتعالى " . فانطلق حتى أتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : يا محمد . هو يكفر بالذي دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى . . فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك " . . ثم انصرف عنه ، فرجع إلى أبيه ، فقال : يا بني ، ما قلت له ? فذكر له ما قاله . فقال : فما قال لك ? قال : اللهم سلط عليه كلبا من كلابك . قال : يا بني والله ما آمن عليك دعاءه ! فسرنا حتى نزلنا أبراه - وهي في سدة - ونزلنا إلى صومعة راهب . فقال الراهب : يا معشر العرب ، ما أنزلكم هذه البلاد ? فإنها يسرح فيها الأسد كما تسرح الغنم ! فقال أبو لهب : إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي ؛ وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه ، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة ، وافرشوا لابني عليها ، ثم افرشوا حولها . ففعلنا . فجاء الأسد فشم وجوهنا ، فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة فوق المتاع ، فشم وجهه ، ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه . فقال أبو لهب : قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد !

هذا هو الحادث الأول صاحبه أبو لهب . أشد المخاصمين لمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] المناوئين له ، المؤلبين عليه هو وبيته . المدعو عليه في القرآن هو وبيته : ( تبت يدا أبي لهب وتب . ما أغنى عنه ماله وما كسب . سيصلى نارا ذات لهب . وامرأته حمالة الحطب . في جيدها حبل من مسد ) . . وذلك شعوره الحقيقي تجاه محمد وقول محمد . وتلك ارتجافة قلبه ومفاصله أمام دعوة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] على ابنه .

والحادث الثاني : صاحبه عتبة بن أبي ربيعة . وقد أرسلته قريش إلى محمد [ صلى الله عليه وسلم ] يفاوضه في الكف عن هذا الذي فرق قريشا وعاب آلهتهم ، على أن يكون له منهم ما يريد من مال أو رياسة أو زواج . فلما انتهى من عرضه قال له رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " أفرغت يا أبا الوليد ? " قال : نعم . قال : " فاستمع مني " . قال : أفعل . قال : بسم الله الرحمن الرحيم . حم . تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون . بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون . . ثم مضى حتى قوله تعالى : ( فإن أعرضوا فقل : أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) . . عندئذ هب عتبة يمسك بفم النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في ذعر وهو يقول : ناشدتك الرحم أن تكف . . وعاد إلى قريش يقص عليهم الأمر . ويعقب عليه يقول : وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فخشيت أن ينزل بكم العذاب .

فهذا شعور رجل لم يكن قد أسلم . والارتجاف فيه ظاهر . والتأثر المكبوت أمام العناد والمكابرة ظاهر .

ومثل هؤلاء إذا استمعوا إلى سورة النجم من محمد [ صلى الله عليه وسلم ] فأقرب ما يحتمل أن تصادف قلوبهم لحظة الاستجابة التي لا يملكون أنفسهم إزاءها . وأن يؤخذوا بسلطان هذا القرآن فيسجدوا مع الساجدين . . بلا غرانيق ولا غيرها من روايات المفترين !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

{ فاسجدوا لله واعبدوا } أي واعبدوه دون الآلهة .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة النجم أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد صلى الله عليه وسلم وجحد به بمكة " .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

{ فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَاعْبُدُواْ } : فاسجدوا لله ولا تعبدوا سواه .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

33

فاسجدوا لله : الذي خلقكم .

واعبدوا : اعبدوه دون الآلهة المزعومة كالأصنام وأقيموا وظائف العبادة .

{ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } .

إنها لصيحة مدوية مزلزلة ، لكل مُعرض لاهٍ متكبر ، أي اسجدوا لله وحده ، واعبدوه مخلصين له الدين ، فهو سبحانه أهل للعبادة والطاعة ، والسجود والخضوع لأمره ، ولا تسجدوا للأصنام ولا للأوثان ، فالكون كله خاضع لأمره .

وقد ورد في الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد عند تلاوة هذه الآية ، وسجد معه المسلمون ، والمشركون والجن والإنس ، لقد سجد المسلمون امتثالا لأمر الله واقتداء برسول الله ، وسجد الباقون تعظيما لهذا الكتاب ، وتأثرا به ، وخضوعا لعظمته ، واهتزازا لعاطفة حرّكها القرآن في هذه الآيات المتلاحقة ، القصيرة المتوالية ، التي لا يملك قلب حي ، أو عاطفة سليمة ، أو وجدان يقظ إلا أن ينحني ويسجد ، مأخوذا مبهورا بكتاب الله تعالى .

ختام السورة:

***

في أعقاب تفسير سورة النجم

ضميمتان

الضميمة الأولى : قصة الغرانيق .

الضميمة الثانية : في معنى قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . ( النجم : 39 ) .

الضميمة الأولى : قصة الغرانيق

ذكر بعض المفسرين قصة الغرانيق ، وملخصها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم ، فلما بلغ قوله تعالى : { أفرأيتم اللات والعزى*ومناة الثالثة الأخرى } . ( النجم : 19-20 ) . ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى .

وقد قال الإمام ابن كثير عند حديثه عن هذه القصة ، إنّها من روايات وطرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح .

تأمُّل

القرآن من عند الله ، وقد تكفل الله سبحاه وتعالى بحفظه ، وقال سبحانه : { إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون } . ( الحجر : 9 ) .

كما تكفل الله بحفظ رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى : { واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ . . . } ( المائدة : 67 ) .

وقال عن الوحي : { وما تنزّلت به الشياطين*وما ينبغي لهم وما يستطيعون } . ( الشعراء : 210-211 ) .

وقال سبحانه في مطلع سورة النجم : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } . ( النجم : 3-4 ) .

والسورة كلها في تأكيد معنى الألوهية ، ووحدانية الخالق الواحد ، قال تعالى : { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى } . ( النجم : 42-47 ) .

كل ذلك يؤكد أن روح القرآن دعوة إلى التوحيد ، والتنديد بالأصنام ، وسورة النجم كلها في تأكيد الوحدانية ، ونفي الشفاعة : { إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } . ( النجم : 26 ) .

والقرآن كله ليس فيه أي تعظيم للأصنام ، بل هو حملة شعواء على عبادة الأصنام ، وبيان أنها لا تنفع ولا تضرّ ، ولا تسمع ولا تجيب ، وقد استحث القرآن العقل والفكر واللُّب والفؤاد ، على التأمل في أن الكون البديع لابد له من خالق ، وأن هذه الأصنام لم تخلق شيئا فلا يصح أن تُعبد .

رواية ابن أبي حاتم

ورواية ابن أبي حاتم أكثر الروايات في الموضوع تفصيلا ، وأقلها إغراقا في الخرافة والافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموضع الشاهد فيها أن الكفار قد اشتدت عليهم حملة القرآن على أصنامهم ، ورغبوا في أن يذكر القرآن آلهتهم بخير ، فلما أنزل الله سورة النجم قال : { أفرأيتم اللات والعزّى*ومناة الثالثة الأخرى } . ألقى الشيطان عندها كلمات فقال : { وإنهنّ لهن الغرانيق العُلى ، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى ) ، وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة ، وزلَّت بها ألسنتهم ، وتباشروا بها ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر سورة النجم سجد ، وسجد معه كل من حضره ، من مسلم أو مشرك ، المسلمون سجدوا طاعة لربهم ، والمشركون سجدوا لما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحدثهم به الشيطان ، فسجدوا لتعظيم آلهتهم ، وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان ، واحكم الله آياته ، وحفظها من الفرية .

قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . ( الحج : 52 ) .

من المنتخب في تفسير القرآن

ومعنى هذه الآية : لا تحزن أيها النبي من محاولات هؤلاء الكفار ، فقد جرت الحوادث من قبلك ، مع كل رسول من رسلنا ، ونبي من أنبيائنا ، أنه كلما قرأ عليهم شيئا يدعوهم به إلى الحق ، تصدّى له شياطين الإنس المتمردون لإبطال دعوته ، وتشكيك الناس فيما يتلوه عليهم ، لكي يحولوا بين النبي وبين أمنيته في إجابة دعوته ، فيزيل الله ما يدبرون ، ثم تكون الغلبة في النهاية للحق ، حيث يثبّت الله شريعته وينصر رسوله ، وهو عليم بأحوال الناس ومكائدهم ، حكيم في أفعاله ، يضع كل شيء في موضعه .

وقال تعالى : { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } . ( الحج : 53 )

وجاء في المنتخب في تفسيرها ما يأتي :

وإنما مكن الله المتمردين على الحق من إلقاء الشُّبه والعراقيل في سبيل الدعوة ، ليكون في ذلك امتحان واختبار للناس ، فالكفار الذين تحجرت قلوبهم ، والمنافقون ومرضى القلوب يزدادون ضلالا بترويج هذه الشّبه ومناصرتها ، ولا عجب في أن يقف هؤلاء الظالمون هذا الموقف ، فإنهم لجّوا في الضلال ، وأوغلوا في العناد والشقاق .

وقال سبحانه : { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . ( الحج : 54 ) .

وجاء في المنتخب في تفسير القرآن ما يأتي :

وليزداد الذين أوتوا علم الشرع والإيمان به إيمانا ، وعلما بأنّ ما يقوله الرّسل والأنبياء إنما هو الحق المنزل من عند الله ، وأن الله ليتولى المؤمنين دائما بعنايته في المشاكل التي تمرّ بهم ، فيهديهم إلى معرفة الطريق المستقيم فيتبعونه . أ . ه .

وقد مرّ تفسير هذه الآيات تفصيلا في سورة الحج ، ورغبتُ أن أضع موجزا لمعناها هنا لما يأتي :

1- الآيات التي استشهدوا بها في سورة الحج لا تؤيد ما ذهبت إليه هذه الروايات العليلة ، التي لم ترد مسندة من وجه صحيح .

2- أن من شرط قبول الحديث أو الأثر ، ألا يعارض ما ورد في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة .

3- أن دين الله الحق يرفض أي رواية فيها مدح للأصنام أو الأوثان ، فهذا يعارض ما علم من الدين بالضرورة ، وهو أن الكون كله لله ، والكمال كله لله ، وأن الأصنام عبادتها ضلال ، وشفاعتها مرفوضة لا ترتجى أبدا .

4- لكل هذا نرفض جميع الروايات التي تفيد أن المشركين سجدوا عندما مدح القرآن آلهتهم ، أو عندما سمعوا مدحها على لسان الشيطان .

5- السورة كلها – سورة النجم – نسيج واحد ، رائع في التوحيد الخالص ، لا يحتمل التضارب أو مدح الأصنام .

6- سجود المشركين تمَّ للروعة الفائقة والقوة الباهرة للآيات الكريمة ، وللرهبة التي تشمل كل القلوب ، فسجد المؤمنون ، وسجد المشركون ، وسجد الإنس والجن ، كما ورد في صحيح البخاري .

أخرج البخاري ، عن ابن عباس قال : سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم ، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنسxviii .

معنى الغرانيق

لم يرد مدح آلهة المشركين بهذا الاسم في نظمهم ولا في خطبهم ، ولم يكن هذا الوصف جاريا على ألسنتهم ، وإنما ورد الغرنوق والغرانيق على أنه اسم لطائر مائي أسود أو أبيض ، والشاب الأبيض الجميل ، ولا شيء من ذلك يلائم معنى الآلهة أو وصفها عند العرب ، كما ذكر ذلك الأستاذ الشيخ محمد عبده في ردّه على موضوع الغرانيق .

كتاب ( حياة محمد صلى الله عليه وسلم ) لمحمد حسين هيكل

ذكر الأستاذ محمد حسين هيكل قصة الغرانيق في كتابه ( حياة محمد ) ، وبين أنها قصة مكذوبة ، لا أصل لها على الإطلاق ، لما يأتي :

( أ‌ ) النبي صلى الله عليه وسلم منذ طفولته وشبابه لم يجرَّب عليه الكذب ، حتى سمي الأمين ولما يبلغ خمسة وعشرين عاما من عمره ، وهذا الصادق الأمين مستحيل أن يقول على الله ما لم يقله " فما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله " .

( ب‌ ) قصة الغرانيق وردت بروايات متعددة في بعض كتب الحديث ، وبعض كتب التفسير ، وهذا التعدد في الروايات يدل على أن الحديث موضوع ، وأنه من وضع الزنادقة كما قال ابن إسحاق ، وأن الغرض منه التشكيك في صدق تبليغ محمد صلى الله عليه وسلم رسالات ربه .

( ت‌ ) استند بعض المستشرقين – ومنهم سير وليم موير – إلى الروايات العليلة التي وردت في بعض كتب السيرة ، وكتب التفسير ، وجعلها حجة يراها قاطعة بصحة حديث الغرانيق ، وقد قال ابن إسحاق حين سئل عنه : إنه من وضع الزنادقة ، وهو حديث ظاهر التهافت ينقضه قليل من التمحيص ، لأنه ينقض ما لكل نبي من العصمة في تبليغ رسالات ربه . 1ه .

وقد قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } . ( المائدة : 27 )

*** ***

الضميمة الثانية

في معنى قوله تعالى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } . ( النجم : 39 )

قال ابن كثير في تفسيرها ما يأتي :

أي : كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه ، ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ، أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثّهم عليه ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، فأما الدعاء والصدقة فمجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما .

وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به " xix ، فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكدّه وعمله ، كما جاء في الحديث " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه " .

والصدقة الجارية كالوقف ونحوه ، هي من آثار عمله ووقفه ، وقد قال تعالى : { إنّا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم . . . }( يس : 12 ) . والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده ، هو أيضا من سعيه وعمله ، وثبت في الصحيح : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء " xx .

من التفسير المنير

والمعتمد في المذاهب الأربعة أن ثواب القراءة يصل إلى الأموات ، لأنه هبة ودعاء بالقرآن الذي تتنزل الرحمات عند تلاوته ، وقد ثبت في السنة النبوية وصول الدعاء والصدقة للميت ، وذلك مجمع عليهxxi .

من تفسير ابن جرير الطبري

{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } . ( النجم : 39 )

يقول جل ثناؤه : أو لم ينبأ أنه لا يجازى عامل إلا بعمله ، خيرا كان ذلك أو شرا .

قال ابن زيد في قوله تعالى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } . وقرأ { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } . ( الليل : 4 ) .

قال : أعمالكم .

وذكر عن ابن عباس أنه قال : هذه الآية منسوخة ، نسخها قوله تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ . . . } ( الطور : 21 )

فأدخل الله الأبناء الجنة بصلاح الآباءxxii . 1ه .

خلاصة الآراء

في قوله تعالى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } .

استنبط الشافعي رحمه الله أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم .

وذهبت طائفة من الأئمة إلى انتفاع الإنسان بعمله ، وبما سعى له به غيره ، تفضّلا من الله ورحمة بهذه الأمة ، وأن الآية الكريمة : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى . قد تكون من قبيل العام الذي قد خُصص بأمور كثيرة ، وقد تكون مخصوصة بقوم إبراهيم وقوم موسى لأنها حكاية عما في صحفهما .

من تفسير القرطبي

رُوي عن عائشة رضي الله عنها ، أنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن ، وأعتقت عنه .

ورُوي أن سعد بن عبادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي توفيت أفأتصدق عنها ؟ قال : " نعم " ، قال : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : " سقي الماء " .

وقيل : إن الله عز وجل إنما قال : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } . ولام الخفض معناها في العربية الملك والإيجاب ، فلم يجب للإنسان إلا ما سعى ، فإذا تصدق عنه غيره فليس يجب له شيء ، إلا أن الله يتفضل عليه بما لا يجب له ، كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل .

وقال الربيع بن أنس :

{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } . يعني : الكافر ، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره .

قلتُ : وكثير من الأحاديث يدل على هذا القول ، وأن المؤمن يصل إليه ثواب العمل الصالح من غيرهxxiii .

من تفسير الفتوحات الإلهية

قال الشيخ سليمان بن عمر العجيلي الشافعي ، الشهير بالجمل ، المتوفى سنة 1204 هxxiv :

من تأمل النصوص وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ، ما لا يكاد يحصى ، فلا يجوز أن تؤول الآية على خلاف الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، فالظاهر أن الآية عامة قد خُصصت بأمور كثيرة ، انتهى نقلا عن الكرخي .

وقيل : إن قوله تعالى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } . هو من باب العدل ، وأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما يشاء من فضله وكرمه . أه .

وقال عكرمة : إن ذلك لقومي موسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم ، لما روي أن امرأة رفعت صبيّا لها ، وقالت : يا رسول الله ، ألهذا حجّ ؟ فقال : " نعم ، ولك أجر " .

وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : " إن أمتي افتلتت نفسها ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : " نعم " xxv .

21 دليلا لابن تيمية

نقل صاحب الفتوحات الإلهية ، الشهير بالجمل ، عن ابن تيمية 21 دليلا مؤيدا ، حيث قال :

قال الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية : من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع . وذلك باطل من وجوه كثيرة :

أحدها : أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره ، وهو انتفاع بعمل الغير .

ثانيها : أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب ، ثم لأهل الجنة في دخولها .

ثالثها : أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر في الخروج من النار ، وهذا انتفاع بسعي الغير .

رابعها : أن الملائكة يستغفرون ويدعون لمن في الأرض ، وذلك منفعة بعمل الغير .

خامسها : أن الله تعالى يُخرج من النار من لم يعمل خيرا قط – أي من المؤمنين – بمحض رحمته ، وهذا انتفاع بغير عملهم .

سادسها : أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم ، وذلك انتفاع بمحض عمل الغير .

سابعها : قال الله تعالى في قصة الغلامين اليتيمين : { وكان أبوهما صالحا . . . } ( الكهف : 82 ) . فانتفعا بصلاح أبيهما ، وليس ذلك من سعيهما .

ثامنها : أن الميت ينتفع بالصدقة عنه ، وبالعتق ، بنص السنة والإجماع ، وهو من عمل الغير .

تاسعها : أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليّه ، بنص السنة ، وهو انتفاع بعمل الغير .

عاشرها : أن الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره ، وهو انتفاع بعمل الغير .

حادي عشرها : المدين قد امتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة ، وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب ، وانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من عمل الغير .

ثاني عشرها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن صلى وحده : " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه " ، فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير .

ثالث عشرها : أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الغير إذا قضاها عنه قاض ، وذلك انتفاع بعمل الغير .

رابع عشرها : أن من عليه تبعات ومظالم ، إذا حلل منها سقطت عنه ، وهذا انتفاع بعمل الغير .

خامس عشرها : أن الجار الصالح ينفع في المحيى وفي الممات كما جاء في الأثر ، وهذا انتفاع بعمل الغير .

سادس عشرها : أن جليس أهل الذكر يرحم بهم ، وهو لم يكن معهم ، ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له ، والأعمال بالنيات ، فقد انتفع بعمل غيره .

سابع عشرها : الصلاة على الميت والدعاء له في الصلاة ، انتفاع للميت بصلاة الحي عليه ، وهو عمل غيره .

ثامن عشرها : أن الجمعة تحصل باجتماع العدد ، وكذا الجماعة بكثرة العدد ، وهو انتفاع للبعض بالبعض .

تاسع عشرها : أن الله تعالى قال لنبيه : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم . . . ( الأنفال : 33 ) . وقال تعالى : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات } . . . ( الفتح : 25 ) . فقد رفع الله تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض ، وذلك انتفاع بعمل الغير .

العشرون : أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن يمونه الرجل ، فإنه ينتفع بذلك من يخرج عنه ، ولا سعي له فيها .

الحادي والعشرون : أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون ، ويثاب على ذلك ولا سعي له .

ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى ، فكيف يجوز أن نتأول الآية الكريمة على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمةxxvi

كلمة ختامية

هناك أمور تتعلق بفضل الله تعالى وسعة رحمته ، وعظيم تفضُّله على عباده ، ومنها شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ، ومنها مضاعفة الحسنة إلى ألفي ضعف ، ومنها التوبة النصوح ، ومنها التوفيق وحسن الختام ، ومنها أن الله تعالى يُصلح بين العبيد يوم القيامة ، ويرضِّي الخصماء مع بعض خصمائهم .

وفي القرآن الكريم : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ( البقرة : 261 ) .

فلا يجوز أن نحكّم عقلنا القاصر في شئون الآخرة ، أو في نص صحيح مقبول شرعا ونقلا ، بل نحني رؤوسنا ونفوض الأمور إلى الله ، فهو يرزق من يشاء بغير حساب ، وليست هناك آلة حاسبة آلية لتوزيع الناس وحساباتهم يوم القيامة ، فله أفضال على من يشاء ، وللرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة يوم القيامة ، بحساب ونظام كما ذكر في الصحيح ، لكن ذلك لا ينفي أن الجزاء من جنس العمل ، وهذا هو العدل ، وفوق ذلك هناك فضل يستحقه من يشاء الله له ذلك ، بمقياس ربنا الحكيم ، العليم بذات الصدور ، ومن ذلك زيادة الأضعاف ، وزيادة الحسنة الواحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف إلى ألف ألف حسنةxxvii .

قال القرطبي في تفسيره :

ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } . خاصا في السيئة ، بدليل ما في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة ، فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه ، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة " xxviii

والله أعلم ، وهو سبحانه ولي التوفيق .

***

خلاصة ما تضمنته سورة النجم

1- إنزال الوحي من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم .

2- إن الذي عمله إياه هو جبريل شديد القوى .

3- قرب الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه .

4- إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صورته الحقيقية مرتين .

5- تقريع المشركين على عبادتهم الأصنام .

6- توبيخهم على جعل الملائكة إناثا ، وتسميتهم إياهم بنات الله .

7- مجازاة كل من المحسن والمسيء بعمله .

8- إحاطة علمه تعالى بما في السماوات والأرض .

9- النهي عن تزكية المرء نفسه .

10- الوصايا التي جاءت في صحف إبراهيم وموسى .

11- التعجيب من استهزاء المشركين بالقرآن حين سماعه ، وغفلتهم عن مواعظه .

12- أمر الناس بالخضوع لله ، والإخلاص له في العملxxix .

***

وكان الفراغ من تفسير سورة ( النجم ) مساء الثلاثاء 19 من رجب 1421ه ، الموافق 17/10/2000م . والحمد لله رب العالمين .

i إن الله كتب على ابن آدم حظه :

رواه البخاري في الاستئذان ( 6243 ) ، وفي القدر ( 6612 ) ، ومسلم في القدر ( 2657 ) ، وأبو داود في النكاح ( 2152 ) ، وأحمد ( 27023 ، 27437 ، 7662 ) ، من حديث أبي هريرة .

ii ينزل الله إلى سماء الدنيا :

رواه البخاري في الجمعة ( 1145 ) ، وفي الدعوات ( 6321 ) ، وفي التوحيد ( 7494 ) ، ومسلم في صلاة المسافرين ( 758 ) ، ومالك في الموطأ كتاب النداء إلى الصلاة ( 496 ) ، وأبو داود في الصلاة ( 1315 ) وفي السنة ( 4733 ) ، والترمذي في الصلاة ( 446 ) ، وفي الدعوات ( 3498 ) ، والدارمي في الصلاة ( 1478 ، 1479 ، 1484 ) ، وابن ماجة في إقامة الصلاة ( 1366 ) ، وأحمد ( 7457 ، 7538 ، 7567 ، 3733 ، 7851 ، 9940 ، 10166 ، 10377 ، 10902 ، 11482 ، 27620 ) من حديث أبي هريرة ، ورواه الدارمي في الصلاة ( 1480 ) ، وأحمد ( 16303 ، 16305 ) من حديث جبير بن مطعم . ورواه أحمد ( 15782 ، 15785 ) من حديث رفاعة الجهني . ورواه أحمد ( 3664 ، 3811 ، 4256 ) من حديث ابن مسعود . ورواه الدارمي في الصلاة ( 1483 ) من حديث علي .

iii قرأ والنجم فسجد بها وسجد من معه :

رواه البخاري في المغازي ( 3972 ) من حديث عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ والنجم فسجد بها وسجد من معه غير أن شيخا أخذ كفا من تراب فرفعه إلى جبهته فقال : يكفيني هذا ، قال عبد الله : فلقد رأيته بعد قتل كافرا .

iv ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد :

رواه البخاري في بدء الوحي ( 2 ) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول " ، قالت عائشة رضي الله عنها : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا .

v لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى :

رواه مسلم في الإيمان ( 173 ) من حديث عبد الله قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال : { إذ يغشى السدرة ما يغشى } قال : فراش من ذهب ، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا : أعطى الصلوات ، وأعطى خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا

vi ورفعت لي سدرة المنتهى :

رواه البخاري في بدء الخلق ( 3207 ) ومسلم في الإيمان ( 162 ) من حديث أنس بن مالك وفيه : " . . ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها كأنه آذان الفيول ، في أصلها أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران ، فسألت جبريل ، فقال : أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات . . . " الحديث .

vii اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي :

ذكره الهيثمي في المجمع ( 6/38 ) وقال : رواه الطبراني ، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة ، وبقية رجاله ثقات .

viii ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله :

رواه البخاري في التوحيد ( 7517 ) من حديث أنس بن مالك أنه ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام . . . الحديث . وفيه : ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاء سدرة المنتهى ودنا للجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى الله إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة . . الحديث .

ix رأيت نورا :

رواه مسلم في الإيمان ( 178 ) من حديث عبد الله بن شقيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته ، فقال : عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله : هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألت ؛ فقال : " رأيت نورا " .

x الله مولانا ولا مولى لكم :

رواه البخاري في المغازي ( 4043 ) من حديث البراء رضي الله عنه قال : لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله ، وقال : " لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا " ، فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفع عن سوقهن قد بدت خلاخلهن ، فأخذوا يقولون : الغنيمة الغنيمة ، فقال عبد الله : عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ألا تبرحوا فأبوا فلما أبوا صرف وجوههم فأصيب سبعون قتيلا وأشرف أبو سفيان فقال : أفي القوم محمد ؟ فقال : " لا تجيبوه " فقال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ قال : " لا تجيبوه " فقال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال : إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا ، فلم يملك عمر نفسه فقال : كذبت يا عدو الله أبقي عليك ما يخزيك ، قال أبو سفيان : اعل هبل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أجيبوه " قالوا : ما نقول ؟ قال : " قولوا الله أعلى وأجل " . قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أجيبوه " قالوا : ما نقول ؟ قال : " قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم " . قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني " .

xi انظر مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ص401 .

xii إن الله كتب على ابن آدم حظه :

رواه البخاري في الاستئذان ( 6243 ) ، وفي القدر ( 6612 ) ، ومسلم في القدر ( 2657 ) ، وأبو داود في النكاح ( 2152 ) ، وأحمد ( 7662 ، 27437 ، 27023 ) ، من حديث أبي هريرة .

xiii مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ص 403 .

xiv ويلك قطعت عنق صاحبك ، قطعت عنق صاحبك :

رواه البخاري في الشهادات ( 2662 ) وفي الأدب ( 6061 ، 6162 ) ومسلم في الزهد ( 3000 ) وأبو داود في الأدب ( 4805 ) وابن ماجة في الأدب ( 3744 ) وأحمد في مسنده ( 19909 ، 27539 ) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال : أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ويلك قطعت عنق صاحبك ، قطعت عنق صاحبك " مرارا ، ثم قال : " من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل : أحسب فلانا والله حسيبه ، ولا أزكي على الله أحدا ، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه " .

xv تفكروا في مخلوقات الله ، ولا تتفكروا في ذات الله :

هكذا ذكره ابن كثير في تفسيره ونسبه لأصحاب السنن ، إلا أنه لم يرد في أي من كتب السنن ، ولعله وهم منه رحمه الله .

xvi إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك :

رواه أحمد ( 25671 ) من حديث عائشة ، وذكره السيوطي في " الصغير " ( 2030 ) ونسبه لابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن عائشة . وقال : حسن . وقال العراقي في تخريج الإحياء : أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم ورجاله ثقات وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة . أما الذي أشار إليه العراقي فرواه البخاري في بدء الخلق ( 3276 ) ، ومسلم في الإيمان ( 134 ) ، وأبو داود في السنة ( 4721 ) ورواه مسلم في الإيمان ( 136 ) عن مختار بن فلفل عن أنس ابن مالك مرفوعا : " قال الله عز وجل : إن أمتك لا يزالون يقولون : ما كذا ما كذا ، حتى يقولوا : هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله " .

xvii بعثت أنا والساعة كهاتين :

رواه البخاري في الرقاق ( 6504 ) ومسلم في الفتن ( 2951 ) من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، قال : وضم السبابة والوسطى .

xviii سجد بالنجم وسجد معه المسلمون :

رواه البخاري في الجمعة ( 1071 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم ، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس .

xix إذا مات ابن آدم انقطع عمله :

رواه مسلم في الوصية ( 3084 ) والترمذي في الأحكام ( 1297 ) ، والنسائي في الوصايا ( 3591 ) ، وابن ماجة في المقدمة ( 238 ) ، وأحمد ( 2489 ) ، والدارمي في المقدمة ( 558 ) ، وهو بلفظ : " إذا مات الإنسان . . . " الحديث . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .

xx مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ص 404 .

xxi التفسير المنير أ . د . وهبة الزحيلي 129/27 دار الفكر المعاصر ، بيروت لبنان .

xxii جامع البيان في تفسير القرآن للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هجرية ، الجزء 27 ص 44 .

xxiii تفسير القرطبي ، المجلد 7 ص 6471 ، دار الغد العربي ، العباسية –القاهرة .

xxiv حاشية الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية ، الشهير بتفسير الجمل ، الجزء الرابع ص 236 وما بعدها ، باختصار وانتقاء .

xxv إن أمي افتلتت نفسها :

رواه البخاري في الجنائز ( 1388 ) من حديث عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : " نعم " .

xxvi الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية ، الشهير بتفسير الجمل ، الجزء الرابع ص 237 ، طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر ، وانظر التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر ، المجلد 14 ص 106 .

xxvii تفسير القرطبي ، مجلد 7 ص 6471 .

xxviii إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها :

رواه البخاري في التوحيد ( 7501 ) ومسلم في الإيمان ( 128 ، 130 ) وأحمد في مسنده ( 7155 ) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها ، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة ، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف " .

xxix انظر تفسير المراغي بتعديل واختصار .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

بهذا يختم الله تعالى هذه السورةَ الكريمة ، فاسجدوا لله الذي أنزلَ القرآنَ هدىً للناس ، واعبدوه وحدَه لا اله إلا هو . وهنا موضعُ سجدةٍ واجبة .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

شرح الكلمات :

{ فاسجدوا لله } : أي الذي خلقكم ورزقكم وكلأكم ولا تسجدوا للأصنام .

{ واعبدوا } : أي وذلوا لله واخضعوا له تعظيماً ومحبة ورهبة فإنه إلهكم الحق الذي لا إله لكم غيره .

المعنى :

ويلكم أنقذوا أنفسكم فاسجدوا لله واعبدوا ، فإنه لا نجاة لكم من العذاب الأليم إلا بالاطراح بين يديه إسلاما له وخضوعاً . تعبدونه بتوحيده في عبادته ، وتسلمون له قلوبكم ووجوهكم فلا يكون لكم غير الله مألوها ومعبوداً تعظمونه وتحبونه وتتقربون إليه بفعل محابه وترك مكاره .

الهداية

من الهداية :

- مشروعية السجود عند تلاوة هذه الآية لمن يتلوها ولمن يستمع لها ، وهي من عزائم السجدات في القرآن الكريم ، ومن خصائص هذه السجدة أن المشركين سجدوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الكعبة كما في الصحيح .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

فلو عبدتم الله وطلبتم رضاه في جميع الأحوال لما كنتم بهذه المثابة التي يأنف منها أولو الألباب ، ولهذا قال تعالى : { فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } الأمر بالسجود لله خصوصا ، ليدل ذلك على فضله{[918]}  وأنه سر العبادة ولبها ، فإن لبها الخشوع لله{[919]}  والخضوع له ، والسجود هو أعظم حالة يخضع بها العبد{[920]}  فإنه يخضع قلبه وبدنه ، ويجعل أشرف أعضائه على الأرض المهينة موضع وطء الأقدام . ثم أمر بالعبادة عموما ، الشاملة لجميع ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة .

تم تفسير سورة النجم ، والحمد لله الذي لا نحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، وفوق ما يثني عليه عباده ، وصلى الله على محمد وسلم تسليما كثيرا .


[918]:- في ب: يدل على فضله.
[919]:- في ب: فإن روحها الخشوع لله.
[920]:- في أ: القلب، وفي ب: الكلمة غير واضحة، وقد جعلتها العبد لمناسبة الكلمة للسياق لقوله فيما بعد: (قلبه وبدنه).
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

{ فاسجدوا لله واعبدوا }

{ فاسجدوا لله } الذي خلقكم { واعبدوا } ولا تسجدوا للأصنام ولا تعبدوها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

قوله تعالى : { فاسجدوا لله واعبدوا } يعني : واعبدوه .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم : سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا محمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا نصر بن علي ، أخبرني أبو أحمد ، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله قال : " أول سورة انزلت فيها سجدة : النجم ، قال : فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه ، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً ، وهو أمية بن خلف " .

وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا آدم بن أبي إياس ، أنبأنا ابن أبي ذئب ، أنبأنا يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها . فقلت : فهذا دليل على أن سجود التلاوة غير واجب . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء . وهو قول الشافعي وأحمد . وذهب قوم إلى أن وجوب سجود التلاوة على القارئ والمستمع جميعاً ، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

وقوله - سبحانه - : { فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا } إرشاد لهم إلى ما يجب عليهم ، ونهى لهم عن الكفر والضلال .

فالفاء فى قوله - تعالى - : { فاسجدوا } لترتيب الأمر بالسجود ، على الإنذار بالعذاب الشديد إذا ما استمروا فى كفرهم ولهوهم .

والمراد بالسجود : الخضوع لله - تعالى - وإخلاص العبادة له ، ويندرج فيه سجود الصلاة ، وسجود التلاوة .

أى : اتركوا ما أنتم عليه من فر وضلال . وخصوا الله - تعالى - بالخضوع الكامل ، وبالعبادة التامة ، التى لا شرك فيها لأحد معه - سبحانه - .

قال الآلوسى : وهذه آية سجدة عند أكثر أهل العلم ، وقد سجد النبى - صلى الله عليه وسلم - عندها .

أخرج الشيخان ، وأبو داود ، والنسائى عن ابن مسعود قال : " أول سورة أنزلت فيها سجدة : سورة " النجم " فسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسجد الناس كلهم إلا رجلا " .

هذا ، وقد ذكر بعض الفسرين قصة الغرانيق . وملخصها أن الرصول - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم ، فلما بلغ قوله - تعالى - { أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى } ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى .

وقد قال الإمام ابن كثير عند حديثه عن هذه القصة : إنها من روايات وطرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح .

وقد ذكرنا عند تفسيرنا لقوله - تعالى - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ذكرنا ما يدل على بطلان هذه القصة من جهة النقل ومن جهة العقل .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

قوله : { فاسجدوا لله واعبدوا } المراد بالسجود ههنا ، سجود التلاوة وقيل : سجود الفرض في الصلاة ، { واعبدوا } أي : أخلصوا لله العبادة والطاعة دون أحد غيره من المخاليق والأنداد{[4391]} .


[4391]:الكشاف ج 4 ص 35 وتفسير البيضاوي ص 700 وتفسير القرطبي جـ 17 ص 121،124، وفي ظلال القرآن ج 27 ص 70.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَٱعۡبُدُواْ۩} (62)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فاسجدوا لله} يعني صلوا الصلوات الخمس {واعبدوا} يعني وحدوا الرب تعالى...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"فاسْجُدُوا لِلّهِ وَاعْبُدُوا "يقول تعالى ذكره: فاسجدوا لله أيها الناس في صلاتكم دون مَن سواه من الآلهة والأنداد، وإياه فاعبدوا دون غيره، فإنه لا ينبغي أن تكون العبادة إلاّ له، فأخلصوا له العبادة والسجود، ولا تجعلوا له شريكا في عبادتكم إياه.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{فاسجدوا لله واعبدوا} معناه فاسجدوا لله واعبدوا الذي خلق السموات والأرض و لا تسجدوا للأصنام التي ذكرت في هذه السورة...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

حمل بعضهم هذا على الصلوات الخمس. وقيل: إن الآية نزلت بمكة قبل فرض الصلوات الخمس، والسورة مكية، فعلى هذا معناه: فاسجدوا لله واعبدوا أي: اخضعوا لله ووحدوا... ويقال: المراد منه أصل السجود، والمراد من العبادة هي الطاعة...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم أمر تعالى بالسجود وعبادة الله تحذيراً وتخويفاً.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فاسجدوا لله واعبدوا} يحتمل أن يكون الأمر عاما، ويحتمل أن يكون التفاتا، فيكون كأنه قال: أيها المؤمنون اسجدوا شكرا على الهداية واشتغلوا بالعبادة، ولم يقل: اعبدوا الله إما لكونه معلوما، وإما لأن العبادة في الحقيقة لا تكون إلا لله، فقال: {واعبدوا} أي ائتوا بالمأمور، ولا تعبدوا غير الله، لأنها ليست بعبادة.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أي: فاخضعوا له وأخلصوا ووحدوا...

.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

"فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا" لترتيبِ الأمرِ أو موجبهِ على ما تقررَ من بُطلانِ مقابلةِ القرآنِ بالإنكارِ والاستهزاءِ ووجوبِ تلقيهِ بالإيمانِ مع كمالِ الخضوعِ والخشوعِ أي وإذَا كانَ الأمرُ كذلِكَ فاسجدُوا لله الذي أنزلَهُ واعبدُوه...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} الأمر بالسجود لله خصوصا، ليدل ذلك على فضله وأنه سر العبادة ولبها، فإن لبها الخشوع لله والخضوع له، والسجود هو أعظم حالة يخضع بها العبد فإنه يخضع قلبه وبدنه، ويجعل أشرف أعضائه على الأرض المهينة موضع وطء الأقدام. ثم أمر بالعبادة عموما، الشاملة لجميع ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{فاسجدوا لله واعبدوا} موجه إلى المشركين. والسجود يجوز أن يراد به الخشية كقوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} والمعنى: أمرهم بالخضوع إلى الله والكف عن تكذيب رسوله وعن إعراضهم عن القرآن لأن ذلك كله استخفاف بحق الله وكان عليهم لما دُعوا إلى الله أن يتدبروا وينظروا في دلائل صدق الرسول والقرآن. ويجوز أن يكون المراد سجود الصلاة والأمر به كناية عن الأمر بأن يُسلموا فإن الصلاة شعار الإسلام، ألا ترى إلى قوله تعالى: {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين} [المدثر: 42، 43]، أي من الذين شأنهم الصلاة أو المراد: واعبدوه العبادة الكاملة وهي التي يُفرد بها لأن إشراك غيره في العبادة التي يستحقها إلا هو كعدم العبادة إذ الإِشراك إخلال كبير بعبادة الله قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً} [النساء: 36]...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَاعْبُدُواْ} فهذه هي الحقيقة العبادية التي تلتقي بالحقيقة الإيمانية الإلهية، لتكون الحياة كلها سجوداً لله في الفكر والعمل، وعبادةً له في كل جوانب الحياة.