ولقد كان ذلك كله للعمل والمتاع . ووراء هذا كله حساب وجزاء . ويوم الفصل هو الموعد الموقوت للفصل : ( إن يوم الفصل كان ميقاتا . يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا . وفتحت السماء فكانت أبوابا . وسيرت الجبال فكانت سرابا ) . .
إن الناس لم يخلقوا عبثا ، ولن يتركوا سدى . والذي قدر حياتهم ذلك التقدير الذي يشي به المقطع الماضي في السياق ، ونسق حياتهم مع الكون الذي يعيشون فيه ذلك التنسيق ، لا يمكن أن يدعهم يعيشون سدى ويموتون هملا ! ويصلحون في الأرض أو يفسدون ثم يذهبون في التراب ضياعا ! ويهتدون في الحياة أو يضلون ثم يلقون مصيرا واحدا . ويعدلون في الأرض أو يظلمون ثم يذهب العدل والظلم جميعا !
إن هنالك يوما للحكم والفرقان والفصل في كل ما كان . وهو اليوم المرسوم الموعود الموقوت بأجل عند الله معلوم محدود :
( إن يوم الفصل كان ميقاتا ) . .
وهو يوم ينقلب فيه نظام هذا الكون وينفرط فيه عقد هذا النظام .
هذا بيان لما أجمله قوله : { عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون } [ النبأ : 2 3 ] وهو المقصود من سياق الفاتحة التي افتتحت بها السورة وهيأتْ للانتقال مناسبة ذكر الإِخراج من قوله : { لنخرج به حباً ونباتاً } [ النبأ : 15 ] الخ ، لأن ذلك شُبه بإخراج أجساد الناس للبعث كما قال تعالى : { فأنبتنا به جنات وحب الحصيد } إلى قوله : { كذلك الخروج } في سورة ق ( 9 11 ) .
وهو استئناف بياني أعقب به قوله : { لنخرج به حباً ونباتاً } [ النبأ : 15 ] الآية فيما قصد به من الإِيماء إلى دليل البعث .
وأكد الكلام بحرف التأكيد لأن فيه إبطالاً لإِنكار المشركين وتكذيبهم بيوم الفصل .
ويومُ الفصل : يوم البعث للجزاء .
والفصل : التمييز بين الأشياء المختلطة ، وشاع إطلاقه على التمييز بين المعاني المتشابهة والملتبسة فلذلك أطلق على الحكم ، وقد يضاف إليه فيقال : فصل القضاء ، أي نوع من الفصل لأن القضاء يميز الحق من الظلم .
فالجزاء على الأعمال فصل بين الناس بعضهم من بعض .
وأوثر التعبير عنه بيوم الفصل لإِثبات شيئين :
أحدهما : أنه بَيَّن ثبوت ما جحدوه من البعث والجزاء وذلك فصل بين الصدق وكذبهم .
وثانيهما : القضاء بين الناس فيما اختلفوا فيه ، وما اعتدى به بعضهم على بعض .
وإقحام فعل { كان } لإِفادة أن توقيته متأصل في علم الله لِما اقتضته حكمته تعالى التي هو أعلم بها وأن استعجالهم به لا يقدّمه على ميقاته .
وتقدم { يوم الفصل } غير مرة أخراها في سورة المرسلات ( 14 ) .
ووصف القرآن بالفصل يأتي في قوله تعالى : { إنه لقول فصل } في سورة الطارق ( 13 ) .
والميقات : مفعال مشتق من الوقت ، والوقت : الزمان المحدَّد في عمل ما ، ولذلك لا يستعمل لفظ وقت إلا مقيداً بإضافة أو نحوها نحو وقت الصلاة .
فالميقات جاء على زنة اسم الآله وأريد به نفس الوقت المحدد به شيء مثل مِيعاد ومِيلاد ، في الخروج عن كونه اسم آلة إلى جعله اسماً لنفس ما اشتق منه . والسياق دل على متعلق ميقات ، أي كان ميقاتاً للبعث والجزاء .
فكونه { ميقاتاً } كناية تلويحية عن تحقيق وقوعه إذ التوقيت لا يكون إلا بزمن محقق الوقوع ولو تأخر وأبطأ .
وهذا رد لسؤالهم تعجيله وعن سبب تأخيره ، سؤالاً يريدون منه الاستهزاء بخبره .
والمعنى : أن ليس تأخر وقوعه دَالاَّ على انتفاء حصوله .
والمعنى : ليس تكذيبكم به مما يحملنا على تغيير إبانة المحدد له ولكن الله مستدرجكم مدة .
وفي هذا إنذار لهم بأنه لا يُدرَى لعله يحصل قريباً قال تعالى : { لا تأتيكم إلا بغتة } [ الأعراف : 187 ] وقال : { قل عسى أن يَكون قريباً } [ الإسراء : 51 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.