وقوله فَمَا لَنا مِنْ شافِعِينَ يقول : فليس لنا شافع فيشفع لنا عند الله من الأباعد ، فيعفو عنا ، وينجينا من عقابه وَلا صَدِيقٍ حَميمٍ من الأقارب .
واختلف أهل التأويل في الذين عُنوا بالشافعين ، وبالصديق الحميم ، فقال بعضهم : عني بالشافعين : الملائكة ، وبالصديق الحميم : النسيب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج فَمَا لَنا مِنْ شافِعِينَ قال : من الملائكة وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ قال : من الناس ، قال مجاهد : صديق حميم ، قال : شقيق .
وقال آخرون : كل هؤلاء من بني آدم . ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا إسحاق بن سعيد البصريّ المسمعي ، عن أخيه يحيى بن سعيد المسمعي ، قال : كان قَتادة إذا قرأ : فَمَا لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ قال : يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحا نفع ، وأن الحميم إذا كان صالحا شفع .
{ ولا صديق حميم } وفي هذه اللفظة منبهة على محل الصديق من المرء ، قال ابن جريج { شافعين } من الملائكة و { صديق } من الناس .
قال القاضي أبو محمد : ولفظة «الشفيع » تقتضي رفعة مكانه ، ولفظ «الصديق » يقتضي شدة مساهمة ونصرة ، وهو فعيل من صدق الود ، وهو ( فعيل ) من صدق الود من أبنية المبالغة{[1]} .
و «الحميم » الولي والقريب الذي يخصك أمره ويخصه أمرك وحامة الرجل خاصته وباقي الآية بين قد مضى .
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآيات من قوله تعالى : { يوم لا ينفع مال ولا بنون } [ الشعراء : 88 ] هي عندي منقطعة من كلام إبراهيم عليه السلام وهي إخبار من الله عز وجل ، تعلق بصفة ذلك اليوم الذي وقف إبراهيم عليه السلام عنده في دعائه أن لا يخزى فيه{[2]} .
أما قولهم : { ولا صديق حميم } فهو تتميم أثارهُ ما يلقونه من سوء المعاملة من كل من يمرون به أو يتصلون ، ومن الحرمان الذي يعاملهم كل من يسألونه الرفق بهم حتى علموا أن جميع الخلق تتبرأ منهم كما قال تعالى : { ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب } فإن الصديق هو الذي يواسيك أو يسليك أو يتوجع ويومئذ حقّت كلمة الله { الأخِلاّء يومئذ بعضهُم لبعض عدوّ إلا المتقين } [ الزخرف : 67 ] وتقدم الكلام على الصديق في قوله تعالى : { أو صديقكم } في سورة النور ( 61 ) .
والحميم : القريب ، فعيل من حَمَّ ( بفتح الحاء ) إذا دنا وقرُب فهو أخص من الصديق .
والمراد نفي جنس الشفيع وجنس الصديق لوقوع الاسمين في سياق النفي المؤكَّد ب { من } الزائدة ، وفي ذلك السياق يستوي المفرد والجمع في الدلالة على الجنس . وإنما خولف بين اسمي هذين الجنسين في حكاية كلامهم إذ جيء ب { شافعين } جمعاً ، وب { صديق } مفرداً ، لأنهم أرادوا بالشافعين الآلهة الباطلة وكانوا يعهدونهم عديدين فجرى على كلامهم ما هو مرتسم في تصورهم .
وأما الصديق فإنه مفروض جنسُه دون عدد أفراده إذ لم يَعنُوا عدداً معيّناً فبقي على أصل نفي الجنس ، وعلى الأصل في الألفاظ إذْ لم يكن داع لغير الإفراد . والذي يبدو لي أنه أوثر جمع { شافعين } لأنه أنسب بصورة ما في أذهانهم كما تقدم . وأما إفراد { صديق } فلأنه أريد أن يُجرى عليه وصف { حميم } فلو جيء بالموصوف جمعاً لاقتضى جمع وصفه ، وجمعُ { حميم } فيه ثقل لا يناسب منتهى الفصاحة ولا يليق بصورة الفاصلة مع ما حصل في ذلك من التفنن الذي هو من مقاصد البلغاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.