وقوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ } قال ابن عباس : يعني شرب الحميم على الزقوم . وقال في رواية عنه : { شَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ } مزجا من حميم .
وقال غيره : يعني يمزج لهم الحميم بصديد وغساق ، مما يسيل من فروجهم وعيونهم .
وقال{[24988]} ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا حَيْوَة بن شُرَيح الحضرمي ، حدثنا بَقيَّة بن الوليد ، عن صفوان بن عمرو ، أخبرني عبيد بن بسر{[24989]} عن{[24990]} أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يقول : " يقرب - يعني إلى أهل النار - ماء فيتكرهه ، فإذا أدنى منه شوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه فيه . {[24991]} فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره " {[24992]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن رافع ، حدثنا يعقوب بن عبد الله ، عن جعفر وهارون بن عنترة ، {[24993]} عن سعيد بن جبير قال : إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم ، فأكلوا منها فاختلست جلود وجوههم [ فيها ] . {[24994]} فلو أن مارا يمر بهم يعرفهم لعرف وجوههم فيها ، ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل - وهو الذي قد انتهى حره - فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود ، ويصهر ما في بطونهم ، فيمشون تسيل أمعاؤهم وتتساقط جلودهم ، ثم يضربون بمقامع من حديد ، فيسقط كل عضو على حياله ، يدعون بالثبور .
القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ إِنّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ * ثُمّ إِنّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ * إِنّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلّينَ * فَهُمْ عَلَىَ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبا مِنْ حَمِيمٍ ثم إن لهؤلاء المشركين على ما يأكلون من هذه الشجرة شجرة الزقوم شَوْبا ، وهو الخَلْط من قول العرب : شاب فلان طعامه فهو يشوبه شَوْبا وشيابا مِنْ حَمِيمٍ والحميم : الماء المحموم ، وهو الذي أُسخْن فانتهى حرّه ، وأصله مفعول صُرف إلى فعيل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبا مِنْ حَمِيمٍ . يقول : لَمَزْجا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَيْها لَشوْبا مِنْ حَمِيمٍ يعني : شرب الحميم على الزّقوم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبا مِنْ حَمِيمٍ قال : مِزاجا من حميم .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السّديّ ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبا مِنْ حَمِيمٍ قال : الشّوب : الخَلْط ، وهو المَزْج .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبا مِنْ حَمِيمٍ قال : حميم يُشاب لهم بغسّاق مما تَغْسِقُ أعينهم ، وصديد من قيحهم ودمائهم مما يخرج من أجسادهم .
و «الشوب » المزاج والخلط ، قاله ابن عباس وقتادة ، وقرأ شيبان النحوي{[5]} «لشُوباً » بضم الشين ، قال الزجاج : فتح الشين المصدر ، وضمه الاسم ، و «الحميم » السخن جداً من الماء ونحوه ، فيريد به ها هنا شرابهم الذي هو طينة الخبال صديدهم وما ينماع منهم ، هذا قول جماعة من المفسرين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ثم إن لهم عليها لشوبا} يعني لمزاجا.
{من حميم} يشربون على إثر الزقوم الحميم الحار الذي قد انتهى حره.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبا مِنْ حَمِيمٍ": ثم إن لهؤلاء المشركين على ما يأكلون من هذه الشجرة شجرة الزقوم شَوْبا، وهو الخَلْط، من قول العرب: شاب فلان طعامه فهو يشوبه شَوْبا وشيابا،
"مِنْ حَمِيمٍ" والحميم: الماء المحموم، وهو الذي أُسخْن فانتهى حرّه... عن ابن عباس، قوله: "ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبا مِنْ حَمِيمٍ". يقول: لَمَزْجا...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
... فيمزج لهم الزقوم بالحميم ليجمع لهم بين مرارة الزقوم وحرارة الحميم، تغليظاً لعذابهم وتشديداً لبلائهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
الحميم إذا شاب الزقوم اجتمعت المكاره فيه من المرارة والخشونة ونتن الرائحة، والحرارة المحرقة -نعوذ بالله منها -.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: ما معنى حرف التراخي في قوله: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً} وفي قوله: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ}؟ قلت: في الأوّل وجهان، أحدهما: أنهم يملأون البطون من شجرة الزقوم، وهو حارّ يحرق بطونهم ويعطشهم، فلا يسقون إلا بعد ما ملئ تعذيباً بذلك العطش، ثم يسقون ما هو أحرّ وهو الشراب المشوب بالحميم.
والثاني: أنه ذكر الطعام بتلك الكراهة والبشاعة، ثم ذكر الشراب بما هو أكره وأبشع، فجاء بثم للدلالة على تراخي حال الشراب عن حال الطعام ومباينة صفته لصفته في الزيادة عليه. ومعنى الثاني: أنهم يذهب بهم عن مقارّهم ومنازلهم في الجحيم، وهي الدركات التي أسكنوها إلى شجرة الزقوم، فيأكلون إلى أن يتملأوا، ويسقون بعد ذلك، ثم يرجعون إلى دركاتهم، ومعنى التر اخي في ذلك بين.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أحرق أكبادهم من شديد الجوع زيادة في العذاب، ولما جرت العادة بأن الآكل المتنعم يتفكه بعد أكله بما يبرد غلة كبده، قال مشيراً إلى تناهي شناعة متفكههم، وطويل تلهبهم من عطشهم، بأداة التراخي وآلة التأكيد؛ لما لهم في ذلك من عظيم الإنكار.
{من حميم}... كأنه مجمع من مياه من عصارات شتى من قيح وصديد ونحوهما -نسأل الله العافية...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ومن البديهي، فإنّ من يتناول هذا الطعام السيء الطعم والمرّ، يصيبه العطش، ولكن حينما يشعر بالعطش ماذا يشرب؟ القرآن يجيب على هذا السؤال بالقول: (ثمّ إنّ لهم عليها لشوباً من حميم).
«الشوب» هو الشيء المخلوط أو الممزوج مع شيء آخر. و (حميم) هو الماء الحار البالغ في حرارته، وطبقاً لذلك فإنّ حتّى الماء الحار الذي يشربه اُولئك الظالمون غير نقي، بل ملوّث.