اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ إِنَّ لَهُمۡ عَلَيۡهَا لَشَوۡبٗا مِّنۡ حَمِيمٖ} (67)

قوله : { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } قرأ العامة بفتح الشين وهو مصدر على أصله .

وقيل : يُراد به اسم المفعول{[47127]} . ويدل لَه قراءة شَيْبَانَ النَّحْوي{[47128]} لَشُوباً - بالضم{[47129]} - قال الزجاج : المفتوح مصدر ، والمضموم اسم بمعنى المشوب كالنقض بمعنى المنقوض{[47130]} ، وعطف «بثُمَّ » لأحد معينين إما لأنه يؤخر ما يظنونه يُرْوِيهمْ من عطشهم زيادة في عذابهم فلذلك أتى «بِثُمَّ » المقتضية للتراخي ، وإما لأن العادة تقضي{[47131]} بتَرَاخِي الشرب عن الأكل فعمل على ذلك المِنْوال وأما ملء البطن فيعقب الأكل فلذلك عطف على ما قبله بالفاء{[47132]} .

قال الزجاج : الشوب اسم عام في كل ما خلط بغيره{[47133]} ، والشًّوْب الخلْط والمزج ، ومنه شَابَ اللبنَ يَشوبُهُ أي خَلَطَهُ وَمَزَجَهُ والحميم : الماء الحار والمتناهي في الحرارة{[47134]} . و «مِنْ حَميم » صفة «لشوباً »{[47135]} واعلم أن الله تعالى وصف شرابهم في القرآن بأشياء منها : { وَغَسَّاقاً } [ النبأ : 25 ] ومنها : { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] ومنها المذكور في هذه الآية{[47136]} ، ولما ذكر الطعام بتلك الشناعة والكراهة وصف الشراب بما هو أشنع منه وسماه شِوْباً أي خَلْطاً ومَزْجاً من حميم من ماءٍ حار ، فإذا أكلوا الزَّقُّومَ وشَرِبُوا عليه الحَمِيمَ فيشرب{[47137]} الحميم في بطونهم فيصير شوباً له .


[47127]:الدر المصون 4/557.
[47128]:هو شيبان بن معاوية النحوي روى عن عاصم وعنه موسى بن هارون مات سنة 164 هـ. انظر: الغاية 1/329.
[47129]:من الشواذ غير المتواترة. انظر: المحتسب 2/220 وابن خالويه 128.
[47130]:بالمعنى من المعاني له 4/307.
[47131]:في ب: تقتضي.
[47132]:انظر: الكشاف للزمخشري 3/343، والبحر 7/363.
[47133]:قال: أي الخلط ومزاجا ويقرأ: لشوبا من حميم، الشوب المصدر، والشوب الاسم والخلط المخلوط. ومعاني القرآن وإعرابه 4/307 وانظر أيضا المجاز 2/170 وغريب القرآن لابن قتيبة 372 واللسان: "ش و ب" 2355.
[47134]:السابق 1008.
[47135]:قاله السمين 4/558.
[47136]:وهو الشوب من الحميم.
[47137]:كذا هي هنا في أ وفي الرازي وفي ب فيشوب أي يشوب الزقوم بالحميم نعوذ بالله منهما.