وأمام هذا الموقف المهين الميئوس منه في الآخرة ، يردهم إلى موقفهم في الفرصة المتاحة لهم في الأرض قبل مواجهة ذلك الموقف ؛ وهم يصدون عنها ويعرضون ، بل يفرون من الهدى والخير ووسائل النجاة المعروضة عليهم فيها ، ويرسم لهم صورة مضحكة تثير السخرية والعجب من أمرهم الغريب :
( فما لهم عن التذكرة معرضين ? كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة ? ) . .
ومشهد حمر الوحش وهي مستنفره تفر في كل اتجاه ، حين تسمع زئير الأسد وتخشاه . . مشهد يعرفه العرب . وهو مشهد عنيف الحركة . مضحك أشد الضحك حين يشبه به الآدميون ! حين يخافون ! فكيف إذا كانوا إنما ينفرون هذا النفار الذي يتحولون به من آدميين إلى حمر ، لا لأنهم خائفون مهددون بل لأن مذكرا يذكرهم بربهم وبمصيرهم ، ويمهد لهم الفرصة ليتقوا ذلك الموقف الزري المهين ، وذلك المصير العصيب الأليم ? !
إنها الريشة المبدعة ترسم هذا المشهد وتسجله في صلب الكون ، تتملاه النفوس ، فتخجل وتستنكف أن تكون فيه ، ويروح النافرون المعرضون أنفسهم يتوارون من الخجل ، ويطامنون من الإعراض والنفار ، مخافة هذا التصوير الحي العنيف !
حمر مستنفرة : حمر وحشية ، شديدة النّفار .
من قسورة : من أسد ، أو من الرماة القنّص .
50 ، 51- كأنهم حمر مستنفرة* فرّت من قسورة .
إن القرآن الكريم سبب للهداية واطمئنان النفس ، والإيمان وسعادة الدارين ، لكن هؤلاء الكفار نفروا من تذكير القرآن لهم نفورا شديدا ، أشبه بنفور الوحشية إذا شاهدت أسدا يحاول اقتناصها ، أو مجموعة مدرّبة على الاقتناص والصيد من الصيادين المهرة ، وهو تشبيه يزرى بهم ، ويجعلهم يخرجون من دائرة الآدميين الذين يتفاهمون أو يتفهّمون القرآن والتذكرة إلى دائرة الحمر التي تركض ركضا شديدا عندما تجد ما يدعوها إلى النّفار والفرار .
وقريب من ذلك قوله تعالى : مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذّبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين . ( الجمعة : 5 ) .
والقسورة : إما جماعة الرماة الذين يتصيدون الحمر الوحشية : أو الأسد ، وسمى قسورة لأنه يقهر السباع ويقسرها ويستولي عليها قسرا .
الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت ، كذلك هؤلاء المشركون إذا رأوا محمدا صلى الله عليه وسلم هربوا منه ، كما يهرب الحمار الوحشي من الأسد .
{ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } أي أسد وهي فعولة من القسر وهو القهر والغلبة وأخرج ذلك ابن جرير وعبد بن حميد وغيرهما عن أبي هريرة وأخرجه ابن المنذر عن ابن عباس أيضاً بيد أنه قال هو بلسان العرب الأسد وبلسان الحبشة قسورة وفي رواية أخرى عنه أنها الرجال الرماة القنص وروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وابن جبير وعطاء بن أبي رباح وفي رواية أخرى عنه أخرجها ابن عيينة في تفسيره أنه ركز الناس أي أصواتهم وعنه أيضاً حبال الصيادين وعن قتادة النبل وقال ابن الأعرابي وثعلب القسورة أول الليل أي فرت من ظلمة الليل وجمهور اللغويين على أنه الأسد وأياً ما كان فقد شبهوا في إعراضهم عن القرآن واستماع ما فيه من المواعظ وشرادهم عنه بحمر وحشية جدت في نفارها مما أفزعها وفي تشبيههم بالحمر مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم بين كما في قوله سبحانه : { كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [ الجمعة : 5 ] أو شهادة عليهم بالبله وقلة العقل وقرأ الأعمش حمر بإسكان الميم وقرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم مستنفرة بفتح الفاء أي استنفرها فزعها من القسورة وفرت يناسب الكسر فعن محمد بن سلام قال سألت أبا سرار الغنوي وكان أعرابياً فصيحاً فقلت كأنهم حمر ماذا فقال مستنفرة طردها قسورة ففتح الفاء فقلت إنما هو فرت من قسورة قال أفرت قلت نعم قال فمستنفرة إذن فكسر الفاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.