حتى إذا صار طوفانا يطم ويعم ، ويغمر وجه الأرض ، ويطوي الدنس الذي يغشى هذا الوجه . وقد يئس الرسول من تطهيره ، وغلب على أمره في علاجه . امتدت اليد القوية الرحيمة إلى الرسول الذي دعا دعوته ، فتحرك لها الكون كله . امتدت له هذه اليد بالنجاة وبالتكريم :
( وحملناه على ذات ألواح ودسر . تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ) . .
وظاهر من العبارة تفخيم السفينة وتعظيم أمرها . فهي ذات ألواح ودسر . توصف ولا تذكر لفخامتها وقيمتها .
دُسر : مسامير تشدّ بها الألواح .
13- { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } .
حملنا نوحا ومن آمن معه على سفينة ذات ألواح من خشب ومسامير تشد الخشب بعضه إلى بعض ، وهذا من جميل الكلام وبديعه ، أن تحذف الموصوف وتعبّر عنه بصفة مبينة له .
الدّسار : خيط من ليف تشدّ به وألواح السفينة ، ولعله بعض الحشو الذي يوضع بين الألواح ، ثم يطلى بالقار ليمنع دخول الماء .
قوله تعالى : { وحملناه } يعني : نوحاً ، { على ذات ألواح ودسر } يعني سفينة ذات ألواح ، ذكر النعت وترك الاسم ، أراد بالألواح خشب السفينة العريضة ، ( ودسر ) أي : المسامير التي تشد بها الألواح ، واحدها دسار ودسير ، يقال : دسرت السفينو إذا شددتها بالمسامير . وقال الحسن : الدسر صدر السفينة سميت بذلك لأنها تدسر الماء بجؤجؤها ، أي تدفع . وقال مجاهد : هي عوارض السفينة . وقيل : أضلاعها وقال الضحاك : الألواح جانباها ، والدسر أصلها وطرفاها .
" وحملناه على ذات ألواح " أي على سفينة ذات ألواح . " ودسر " قال قتادة : يعني المسامير التي دسرت بها السفينة أي شدت ، وقاله القرظي وابن زيد وابن جبير ورواه الوالبي عن ابن عباس . وقال الحسن وشهر بن حوشب وعكرمة : هي صدر السفينة التي تضرب بها الموج سميت بذلك لأنها تدسر الماء أي تدفعه ، والدسر الدفع والمَخْر ، ورواه العوفي عن ابن عباس قال : الدسر كَلْكَلُ{[14462]} السفينة . وقال الليث : الدِّسار خيط من ليف تشد به ألواح السفينة . وفي الصحاح : الدِّسار واحد الدُّسُر وهي خيوط تشد بها ألواح السفينة ، ويقال : هي المسامير ، وقال تعالى : " على ذات ألواح ودسر " . ودسر أيضا مثل عسر وعسر . والدسر الدفع . قال ابن عباس في العنبر : إنما هو شيء يدسره البحر دسرا أي يدفعه . ودسره بالرمح . ورجل مِدْسر .
ولما ذكر ما علم منه بقرينة ما ذكر من خرقه للعادة ، وأن إجابته لدعوته عليه الصلاة والسلام ، ذكر تمام الانتصار بنجاته فقال : { وحملناه } أي بما لنا من العظمة على متن ذلك الماء بعد أن صار جميع وجه الأرض مجرى واحداً ، وحذف الموصوف تهويلاً بالحث على تعرفه بتأمل الكلام فقال : { على ذات } أي سفينة ذات { ألواح } أي أخشاب نجرت حتى صارت عريضة { ودسر * } جمع دسار وهو ما يشد به السفينة وتوصل بها ألواحها ويلج بعضها ببعض بمسمار من حديد أو خشب أو من خيوط الليف على وجه الضخامة والقوة الدفع والمتانة ، ولعله عبر عن السفينة بما شرحها تنبيهاً على قدرته على ما يريد من فتق الرتق ورتق الفتق بحيث يصير ذلك المصنوع ، فكان إلى ما هيأه ليراد منه وإن كان ذلك المراد عظيماً وذلك المصنوع .
قوله : { وحملناه على ذات ألواح ودسر } الدسر هي خيوط تشد بها ألواح السفينة . وقيل : هي المسامير . والدسر جمع ومفرده الدسار{[4401]} يعني : وحملنا نوحا والذين نجيناهم معه من المؤمنين على السفينة ذات ألواح مشدود بعضها إلى بعض بخيوط أو مسامير .