وذلك حين يرون جمعهم فتعجبهم قوتهم ، ويغترون بتجمعهم ، فيقولون : إنا منتصرون لا هازم لنا ولا غالب ?
هنا يعلنها عليهم مدوية قاضية حاسمة :
( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) . .
فلا يعصمهم تجمعهم ، ولا تنصرهم قوتهم . والذي يعلنها عليهم هو القهار الجبار . . ولقد كان ذلك . كما لا بد أن يكون !
قال البخاري بإسناده إلى ابن عباس - : إن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال وهو في قبة له يوم بدر : " أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبدا " . فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده ، وقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك ! فخرج وهو يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر . . . ) .
وفي رواية لابن أبي حاتم بإسناده إلى عكرمة ، قال : لما نزلت( سيهزم الجمع ويولون الدبر )قال عمر : أي جمع يهزم ? أي أي جمع يغلب ? قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) . فعرفت تأويلها يومئذ !
الدّبر : هاربين منهزمين ، قد أعطوا أدبارهم وظهورهم لمن هزمهم ، وهو كناية عن الهزيمة والفرار . وقد هُزموا يوم بدر ، ونصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم ، وهو من دلائل النبوة .
45- { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر } .
سيغلبون ويهزمون في بدر ، ويولّون منهزمين أمام جيش المسلمين .
وهذه الآية مكية ، نزلت قبل معركة بدر بسبع سنين ، وهي من دلائل النبوة ، وقد تحققت يوم بدر ، حيث قُتل سبعون كافرا ، وأُسر سبعون كافرا ، وفرّ الباقون .
أخرج البخاري ، والنسائي ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر : " أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبدا " . فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده ، وقال : حسبك يا رسول الله ، ألححت على ربك ، فخرج وهو يثب في الدّرع ، وهو يقول : " سيهزم الجمع ويولّون الدّبر ، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " . xi
كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين ، فالآية مكية .
وقال ابن الجوزي : وهذا مما أخبر الله به نبيّه من علم الغيب ، فكانت الهزيمة يوم بدر .
قال الله تعالى { سيهزم الجمع } قرأ يعقوب : سنهزم بالنون ، الجمع نصب ، وقرأ الآخرون بالياء وضمها ، الجمع رفع على غير تسمية الفاعل ، يعني : كفار مكة ، { ويولون الدبر } يعني : الأدبار فوحد لأجل رؤوس الآي ، كما يقال ضربنا منهم الرؤوس وضربنا منهم الرأس إذا كان الواحد يؤدي معنى الجمع ، أخبر الله أنهم يولون أدبارهم منهزمين فصدق الله وعده وهزمهم يوم بدر .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبته يوم بدر : اللهم إني أنشدك وعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم ، فأخذ أبو بكر بيده ، فقال : حسبك يا رسول الله ، فقد ألححت على ربك وهو في الدرع ، فخرج وهو يقول : سيهزم الجميع ويولون الدبر " .
فرد الله عليهم فقال : " سيهزم الجمع " أي جمع كفار مكة ، وقد كان ذلك يوم بدر وغيره . وقراءة العامة " سيهزم " بالياء على ما لم يسم فاعله " الجمع " بالرفع . وقرأ رويس عن يعقوب " سنهزم " بالنون وكسر الزاي " الجمع " نصبا . " ويولون الدبر " قراءة العامة بالياء على الخبر عنهم . وقرأ عيسى وابن إسحاق ورويس عن يعقوب " وتولون " بالتاء على الخطاب . و " الدبر " اسم جنس كالدرهم والدينار فوحد والمراد الجمع لأجل رؤوس الآي . وقال مقاتل : ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم من الصف وقال : نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه ، فأنزل الله تعالى : " نحن جميع منتصر . سيهزم الجمع ويولون الدبر " . وقال سعيد بن جبير قال سعد بن أبي وقاص : لما نزل قوله تعالى : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " كنت لا أدرى أي الجمع ينهزم ، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول : اللهم إن قريشا جاءتك تحادُّك وتحاد رسولك بفخرها وخيلائها{[14498]} فأخنهم الغداة - ثم قال - " سيهزم الجمع ويولون الدبر " فعرفت تأويلها . وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر . أخنى عليه الدهر : أي أتى عليه وأهلكه ، ومنه قول النابغة :
أَخْنَى عليه الذي أَخْنَى على لُبَدِ
وأخنيت عليه : أفسدت . قال ابن عباس : كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين ، فالآية على هذا مكية . وفي البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب : " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " . وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر : ( أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا ) فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك ، وهو في الدرع فخرج وهو يقول : " سيهزم الجمع ويولون الدبر . بل الساعة موعدهم " يريد القيامة .
ولما كان لسان الحال ناطقاً بأنهم يقولون : هذا كله فأي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً ونحوها ، وقال بعضهم : لئن بعثنا لأوتينا وولداً ، ولا شك أنهم كانوا في غاية الاستحالة لغلبة المؤمنين لهم على قلتهم وضعفهم ، استأنف الجواب بقوله : { سيهزم } بأيسر أمر من أي هازم كان بوعد لا خلف فيه ، وقراءة الجمهور{[61764]} بالبناء للمفعول مفهمة للعظمة بطريقة كلام القادرين ، فهي أبلغ من قراءة يعقوب بالنون والبناء للفاعل الدالة على العظمة صريحاً { الجمع } الذي تقدم أنه بولغ في جمعه فصدق الله وعده وهزموا في يوم بدر وغيره في الدنيا عن قريب ، ولم يزالوا يضعفون حتى اضمحل أمرهم وزال بالكلية سرهم ، وهي من دلائل النبوة البينة { ويولون الدبر * } أي يقع توليتهم كلهم بهذا الجنس بأن يكون والياً لها من منهم مع الهزيمة لأنه لم يتولهم في حال الهزيمة نوع مسكنة يطمعون بها في الخيار ، وكل من إفراد الدبر والمنتصر وجمع المولين أبلغ مما لو وضع غيره موضعه وأقطع للتعنت .