المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (52)

52- ولقد آتيناهم - بياناً للحق - كتاباً بَيَّناه وفصَّلناه ، مشتملا على علم كثير ، فيه أدلة التوحيد وآيات الله في الكون ، وفيه شرعه ، وفيه بيان الطريق المستقيم والهداية إليه ، وفيه ما لو اتبعه الناس لكان رحمة بهم ، ولا ينتفع به إلا الذين من شأنهم الإذعان للحق والإيمان به .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (52)

37

ثم إذا صوت البشر عامة يتوارى ، لينطق رب العزة والجلالة ، وصاحب الملك والحكم :

( فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا . وما كانوا بآياتنا يجحدون . ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم ، هدى ورحمة لقوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله ؟ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل : قد جاءت رسل ربنا بالحق ، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ، أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل . قد خسروا أنفسهم ، وضل عنهم ما كانوا يفترون ) . .

وهكذا تتوالى صفحات المشهد جيئة وذهوباً . . لمحة في الآخرة ولمحة في الدنيا . لمحة مع المعذبين في النار ، المنسيين كما نسوا لقاء يومهم هذا وكما جحدوا بآيات الله ، وقد جاءهم بها كتاب مفصل مبين . فصله الله - سبحانه - على علم - فتركوه واتبعوا الأهواء والأوهام والظنون . . ولمحة معهم - وهم بعد في الدنيا - ينتظرون مآل هذا الكتاب وعاقبة ما جاءهم فيه من النذير ؛ وهم يُحذّرون أن يجيئهم هذا المآل . فالمآل هو مايرون في هذا المشهد من واقع الحال !

إنها خفقات عجيبة في صفحات المشهد المعروض ؛ لا يجليها هكذا إلا هذا الكتاب العجيب !

وهكذا ينتهي ذلك الاستعراض الكبير ؛ ويجيء التعقيب عليه متناسقاً مع الابتداء . تذكيراً بهذا اليوم ومشاهده ، وتحذيراً من التكذيب بآيات الله ورسله ، ومن انتظار تأويل هذا الكتاب فهذا هو تأويله ، حيث لا فسحة لتوبة ، ولا شفاعة في الشدة ، ولا رجعة للعمل مرة أخرى .

نعم . . هكذا ينتهي الاستعراض العجيب . فنفيق منه كما نفيق من مشهد أخاذ كنا نراه .

ونعود منه إلى هذه الدنيا التي فيها نحن ! وقد قطعنا رحلة طويلة طويلة في الذهاب والمجيء !

إنها رحلة الحياة كلها ، ورحلة الحشر والحساب والجزاء بعدها . . ومن قبل كنا مع البشرية في نشأتها الأولى ، وفي هبوطها إلى الأرض وسيرها فيها !

وهكذا يرتاد القرآن الكريم بقلوب البشر هذه الآماد والأكوان والأزمان . يريها ما كان وما هو كائن وما سيكون . . كله في لمحات . . لعلها تتذكر ، ولعلها تسمع للنذير :

( كتاب أنزل إليك ، فلا يكن في صدرك حرج منه ، لتنذر به وذكرى للمؤمنين . اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ، ولا تتبعوا من دونه أولياء ، قليلاً ما تذكرون ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (52)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصّلْنَاهُ عَلَىَ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أقسم يا محمد لقد جئنا هؤلاء الكفرة بكتاب ، يعني القرآن الذي أنزله إليهم ، يقول : لقد أنزلنا إليهم هذا القرآن مفصلاّ مبينا فيه الحقّ من الباطل ، عَلى عِلْمٍ يقول : على علم منا بحقّ ما فصل فيه من الباطل الذي ميز فيه بينه وبين الحقّ ، هُدًى وَرَحْمَةً يقول : بيناه ليهتدي ويرحم به قوم يصدّقون به وبما فيه من أمر الله ونهيه وأخباره ووعده ووعيده ، فينقذهم به من الضلالة إلى الهدى . وهذه الاَية مردودة على قوله : كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى للمُؤْمِنينَ . وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصّلْناهُ على عِلْمٍ والهدى في موضع نصب على القطع من الهاء التي في قوله : فَصّلْناهُ ولو نُصب على فعل فصّلناه ، فيكون المعنى : فصّلنا الكتاب كذلك كان صحيحا ولو قرىء «هُدًى وَرَحْمَةٍ » كان فِي الإعراب فصيحا ، وكان خفض ذلك بالردّ على الكتاب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (52)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد جئناهم بكتاب فصلناه}، يعني بيناه، {على علم}، وهو القرآن، {هدى} من الضلالة، {ورحمة} من العذاب، {لقوم يؤمنون} يعني يصدقون بالقرآن بأنه من الله.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أقسم يا محمد لقد جئنا هؤلاء الكفرة بكتاب، يعني القرآن الذي أنزله إليهم، يقول: لقد أنزلنا إليهم هذا القرآن مفصلاّ مبينا فيه الحقّ من الباطل، "عَلى عِلْمٍ "يقول: على علم منا بحقّ ما فصل فيه من الباطل الذي ميز فيه بينه وبين الحقّ، "هُدًى وَرَحْمَةً" يقول: بيناه ليهتدي ويرحم به قوم يصدّقون به وبما فيه من أمر الله ونهيه وأخباره ووعده ووعيده، فينقذهم به من الضلالة إلى الهدى...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... يحتمل قوله تعالى: {فصّلناه} أي فرّقناه في إنزاله؛ لم ننزله جملة واحدة كقوله تعالى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس} [الإسراء: 106] أي فرّقناه في الإنزال على قدر النوازل بهم ليعلموا حكم كل آية نزلت بالنوازل التي وقعت بهم، لا تقع لهم الحاجة إلى معرفة ما في كل آية نزلت عليهم على حدة، بل يعرفون ذلك في النوازل، أو أنزله مفرّقا، أو أن تكون معرفة ما فيه من الأحكام، إذا كان منزلا بالتفاريق، أهون وأيسر على الطباع من معرفة ما فيه إذا نزل جملة...

ثم قوله تعالى: {فصّلناه على علم} يحتمل وجوها: يحتمل {فصّلناه} أي بيّناه بالحجج والبراهين {على علم} أن الخلائق لا تقوم بإتيان مثله ليعلم أنه من عنده نزل، أو أنزله مفصّلا {على علم} منه بمن يصدّقه ويتّبعه، وبمن يكذّبه، ولا يتّبعه، أو {على علم} منه بمصالح الخلق؛ إن أنزله صلح للخلق: أي {على علم} منه بمعاملة القوم إياه؛ أنزله لأن المنفعة في إنزاله للمنزل عليهم لا للمرسل، فقرّر الرّد والمنفعة لهم...

وقوله تعالى: {هدى ورحمة لقوم يؤمنون}... فهو هدى للمؤمنين وعمى للكافرين على ما ذكر أنه عليهم عمى: خص المؤمنين بالهدى لهم لأنهم هم المخصوصون بالانتفاع به دون أولئك، وعلى أولئك عمى ورجس على ما ذكر، وصار للمؤمنين حجة على أولئك...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{فصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ} فيه وجهان: أحدهما: بيَّنَّا ما فيه من الحلال والحرام على علم بالمصلحة. والثاني: ميزنا به الهدى من الضلالة على علم بالثواب والعقاب...

{هُدىً وَرَحْمَةً} يحتمل وجهين: أحدهما: أن الهدى البرهان. والثاني: أن الهدى الإرشاد. والرحمة: اللطف...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله "فصلناه "معناه ميزنا معانيه على وجه يزول معه اللبس. والتفصيل والتبيين والتقسيم نظائر.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فصلناه على عِلْمٍ} عالمين كيف نفصل أحكامه ومواعظه وقصصه وسائر معانيه، حتى جاء حكيماً قيماً غير ذي عوج. قرأ ابن محيصن فضلناه بالضاد المعجمة بمعنى فضلناه على جميع الكتب، عالمين أنه أهل للتفضيل عليها...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله تعالى: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل الجنة، وأهل النار، وأهل الأعراف، ثم شرح الكلمات الدائرة بين هؤلاء الفرق الثلاث على وجه يصير سماع تلك المناظرات حاملا للمكلف على الحذر والاحتراز وداعيا له إلى النظر والاستدلال، بين شرف هذا الكتاب الكريم ونهاية منفعته فقال: {ولقد جئناهم بكتاب} وهو القرآن {فصلناه} أي ميزنا بعضه عن بعض، تمييزا يهدي إلى الرشد ويؤمن عن الغلط والخبط، فأما قوله: {على علم} فالمراد أن ذلك التفصيل والتمييز إنما حصل مع العلم التام بما في كل فصل من تلك الفصول من الفوائد المتكاثرة، والمنافع المتزايدة، وقوله: {هدى ورحمة} قال الزجاج: {هدى} أي فصلناه هاديا وذا رحمة.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

" فصلناه على علم "منا به، لم يقع فيه سهو ولا غلط.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

التفصيل عبارة عن جعل الحقائق والمسائل المراد بيانها مفصولا بعضها من بعض بما يزيل الاشتباه واختلاف بعضها ببعض في الأفهام، وليس معناه ذكر كل نوع منها على حدته، ولا التطويل ببيان جميع فروعه، ففي القرآن تفصيل كل شيء نحتاج إليه في أمر ديننا: أسهب حيث ينبغي الإسهاب، وأوجز حيث يكفي الإيجاز.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

.. وتنكير {عِلْم} للتّعظيم، أي عالمين أعظمَ العلم، والعظمة هنا راجعة إلى كمال الجنس في حقيقته، وأعظم العلم هو العلم الذي لا يحتمل الخطأ ولا الخفاء، أي عالمين علماً ذاتياً لا يتخلّف عنّا ولا يخْتلف في ذَاته، أي لا يحتمل الخطأ ولا التّردّد.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

ما تركهم رب العالمين سدى من غير هاد ولا مرشد، بل أعذر إليهم بإنزال كتاب قد فصله على علم بما يدل عليه من عظات، وما يوجههم إليه من آيات، فقال تعالى: {ولقد جئناهم بكتاب} أكد مجيء الكتاب لهم ب (اللام) و (قد)، وقد عبر بأنه جاء إليهم ولم يقل أنزل عليهم؛ لأنه نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم والرسول جاء به إليه على أنه معجزته الكبرى، وكلام الله تعالى الذي خاطبهم هم والأجيال القادمة إلى يوم القيامة، فالمراد من الكتاب القرآن، وجاء نكرة ومقامه التعريف؛ للإشارة إلى فخامته، وإلى أنه كتاب لا يتسامى إلى مثله كتاب...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

هذه الآية إشارة في الدرجة الأُولى إلى أنّ حرمان الكفار ومصيرهم المشؤوم إنّما هو نتيجة تقصيراتهم أنفسهم، وإلاّ فليس هناك من جانب الله أي تقصير في هدايتهم وقيادتهم وإبلاغ الآيات إليهم وبيان الدروس التربوية لهم، لهذا يقول تعالى: إنّنا لم نألُ جهداً ولم ندخر شيئاً في مجال الهداية والإرشاد، بل أرسلنا لهم كتاباً شرحنا فيه كل شيء بحكمة ودراية (ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم).