اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (52)

الضَّميرُ في " جِئْنَاهُم " عائد على كل ما تقدم من الكَفَرةِ ، والمراد ب " كتاب " الجنس .

وقيل : يعود على مَنْ عاصر النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد بالكتاب القرآن ، والباء في " بكتاب " للتعدية فقط .

قوله : " فَصَّلْنَاهُ " صفة ل " كتاب " ، والمراد بتفصيلة إيضاحُ الحقِّ من الباطل ، أو تنزيله في فصول مختلفة كقوله : { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ } [ الإسراء : 106 ] .

وقرأ الجحدري{[16216]} وابن محيصن بالضَّادِ المعجمة أي : فضَّلْناه على غيره من الكتب السماوية .

قوله : " على عِلْمٍ " حال إمَّا من الفاعل ، أي : فصَّلناه عالمين بتفصيله ، وإمَّا من المفعول أي : فَصّلناه مشّتملاً على علم ونكَّر " عِلْم " تعظيماً .

قوله : " هُدىً ورَحْمَةً " الجمهور على النصب وفيه وجهان :

أحدهما : أنَّهُ مفعول من أجله أي : فصَّلْناه لأجل الهداية والرحمة .

والثاني : أنَّهُ حال ، إمّا من " كتاب " وجاز ذلك لتخصصه بالوصف ، وإمّا من مفعول " فصَّلناه " .

وقرأ زَيْدُ بْنُ عَلِيّ{[16217]} : " هدىً ورحمةٍ " بالجر ، وخرَّجه الكسائي والفراء على النعت ل " كتاب " ، وفيه المذاهب المشهور في نَحْوِ : [ " مررت ] برجل عَدْلٍ " ، وخرّجه غيرهما على البدل منه .

وقرئ{[16218]} : " هُدىً ورَحْمَةً " بالرفع على إضمار المبتدأ .

وقال مكي{[16219]} : " وأجَازَ الفرَّاءُ والكِسَائِيُّ " هُدىً ورَحْمَة " بالخفض ، ويجعلانه بَدَلاً من " علم " ، ويجوز " هُدىً ورحمةٌ " على تقدير : " هو هدىً ورحمةٌ " ، وكأنَّهُ لم يطَّلع على أنَّهُمَا قراءتان مَرْويَّتانِ حتّى نسبهما على طريق الجواز .

وقوله : { هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يدلُّ على أنَّ القرآن جعل هدى لقوم مخصوصين ، والمرادُ : أنَّهُم هم الذين اهتدوا به دون غيرهم ، فهو كقوله تعالى في أوَّل " البقرة " ، { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ الآية : 2 ] .


[16216]:ينظر: البحر المحيط 4/308، الدر المصون 3/278، إتحاف الفضلاء 2/51.
[16217]:ينظر: البحر 4/308، الدر 3/279.
[16218]:ينظر: البحر المحيط 4/308، الدر المصون 3/279.
[16219]:ينظر: المشكل 1/319.