المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ شَهِيدٗاۖ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (52)

52- قل : حسبي وحسبكم أن يكون الله شاهداً على أنَّى قد بلَّغتكم ما أُرسلت به إليكم ، فهو مطلع على أمري وأمركم ، لا يخفي عليه شيء في السماوات والأرض . والذين عبدوا غير الله وكفروا بالله فلم يخصوه بالعبادة ؛ أولئك هم الذين اشتروا الكفر بالإيمان فأصابهم الخسران المبين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ شَهِيدٗاۖ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (52)

{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا } فأنا قد استشهدته ، فإن كنت كاذبا ، أَحَلَّ بي ما به تعتبرون ، وإن كان إنما يؤيدني وينصرني وييسر لي الأمور ، فلتكفكم هذه الشهادة الجليلة من اللّه ، فإن وقع في قلوبكم أن شهادته -وأنتم لم تسمعوه ولم تروه- لا تكفي دليلا ، فإنه { يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }

ومن جملة معلوماته حالي وحالكم ، ومقالي لكم{[633]} فلو كنت متقولا عليه ، مع علمه بذلك ، وقدرته على عقوبتي ، لكان [ قدحا في علمه وقدرته وحكمته ] كما قال تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ }

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } حيث هم خسروا الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وحيث فاتهم النعيم المقيم ، وحيث حصل لهم في مقابلة الحق الصحيح كل باطل قبيح ، وفي مقابلة النعيم كل عذاب أليم ، فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة .


[633]:- كذا في ب، وفي أ: ومقالكم
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ شَهِيدٗاۖ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (52)

{ قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا } بصدقي وقد صدقني بالمعجزات ، أو بتبليغي ما أرسلت به إليكم ونصحي ومقابلتكم إياي بالتكذيب والتعنت . { يعلم ما في السماوات والأرض } فلا يخفى عليه حالي وحالكم . { والذين آمنوا بالباطل } وهو ما يعبد من دون الله . { وكفروا بالله } منكم . { أولئك هم الخاسرون } في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالأيمان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ شَهِيدٗاۖ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (52)

{ قُلْ كفى بالله بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِى السماوات والأرض } .

بعد أن ألقمهم حَجر الحجّة الدامغة أمر بأن يجعل الله حكَماً بينه وبينهم لما استمر تكذيبهم بعد الدلائل القاطعة . وهذا من الكلام المنصف المقصود منه استدراج المخاطب .

و { كفى بالله } بمعنى هو كاف لي في إظهار الحق ، والباء مزيدة للتوكيد وقد تقدم نظيره في قوله : { وكفى بالله شهيداً } في سورة [ النساء : 79 ] .

( والشهيد : الشاهد ، ولما ضُمن معنى الحاكم عدّي بظرف { بيني وبينكم } . قال الحارث بن حلزة في عمرو بن هند الملك :

وهو الرّب والشهيد على يو *** م الحِيَاريْن والبلاء بلاء

وجملة : { يعلم ما في السماوات والأرض } مقررة لمعنى الاكتفاء به شهيداً فهي تتنزل منها منزلة التوكيد .

{ والذين ءامَنُواْ بالباطل وَكَفَرُواْ بالله أولئك هم الخاسرون }

بعد أن أنصفهم بقوله : { كفى بالله بيني وبينكم شهيداً } استمر في الانتصاف بما لا يستطيعون إنكاره وهو أن الذين اعتقدوا الباطل وكفروا بالله هم الخاسرون في الحكومة والقضية الموكولة إلى الله تعالى ؛ فهم إن تأملوا في إيمانهم بالله حقَّ التأمّل وجدوا أنفسهم غير مؤمنين بإلهيته لأنهم أشركوا معه ما ليس حقيقاً بالإلهية فعلموا أنهم كفروا بالله فتعين أنهم آمنوا بالباطل فالكلام موجه كقوله : { وإنا أو إياكم لعلى هُدىً أو في ضلال مبين } [ سبأ : 24 ] ، وقول حسان في أبي سفيان بن حرب أيام جاهليته :

أتهجوهُ ولست له بكفء *** فشركما لخيركما الفداء

وفي الجمع بين { ءامنوا } و { كَفروا } محسّن المضادة وهو الطِّبَاق .

والباطل : ضد الحق ، أي ما ليس بحقيق أن يؤمن به ، أي ما ليس بإله حق ولكنهم يدَّعون له الإلهية وذلك إيمانهم بإلهية الأصنام . وأما كفرهم بالله فلأنهم أشركوا معه في الإلهية فكفروا بأعظم صفاته وهي الوحدانية . واسم الإشارة يفيد التنبيه على أن المشار إليهم أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة لأجل الأوصاف التي ذكرت لهم قبل اسم الإشارة مثل : { أولئك على هدى من ربّهم } [ البقرة : 5 ] .

والقصر المستفاد من تعريف جزأي جملة { هم الخاسرون } قصر ادعائيّ للمبالغة في اتصافهم بالخسران العظيم بحيث إن كل خسران في جانب خسرانهم كالعدم ؛ فكأنهم انفردوا بالخسران فأطلق عليهم المركب المفيد قصر الخسران عليهم وذلك لأنهم حقت عليهم الشقاوة العظمى الأبدية . واستعير الخسران لانعكاس المأمول من العمل المُكِدّ تشبيهاً بحال من كد في التجارة لينال مالاً فأفنى رأس ماله ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { فما ربِحَتْ تِجارتهم } [ البقرة : 16 ] .