{ هُوَ الْحَيُّ } الذي له الحياة الكاملة التامة ، المستلزمة لما تستلزمه من صفاته الذاتية ، التي لا تتم حياته إلا بها ، كالسمع ، والبصر ، والقدرة ، والعلم ، والكلام ، وغير ذلك ، من صفات كماله ، ونعوت جلاله .
{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أي : لا معبود بحق ، إلا وجهه الكريم . { فَادْعُوهُ } وهذا شامل لدعاء العبادة ، ودعاء المسألة { مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي : اقصدوا بكل عبادة ودعاء وعمل ، وجه الله تعالى ، فإن الإخلاص ، هو المأمور به كما قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ }
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أي : جميع المحامد والمدائح والثناء ، بالقول كنطق الخلق بذكره ، والفعل ، كعبادتهم له ، كل ذلك للّه تعالى وحده لا شريك له ، لكماله في أوصافه وأفعاله ، وتمام نعمه .
ثم قال : { هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ } أي : هو الحي أزلا وأبدًا ، لم يزل ولا يزال ، وهو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، { لا إِلَهَ إِلا هُوَ } أي : لا نظير له ولا عديل له ، { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي : موحدين له مقرين بأنه لا إله إلا هو { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
قال ابن جرير : كان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال : " لا إله إلا الله " أن يتبعها بالحمد لله رب العالمين ، عملا بهذه الآية .
ثم روى عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، عن أبيه ، عن الحسين بن واقد ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس{[25592]} قال : من قال : " لا إله إلا الله " فليقل على أثرها : " الحمد لله رب العالمين " فذلك {[25593]} قوله تعالى : { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
وقال أبو أسامة وغيره ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن سعيد بن جبير قال : إذا قرأت : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ غافر : 14 ] ، فقل : " لا إله إلا الله " وقل على أثرها : " الحمد لله رب العالمين " ثم قرأ هذه الآية : { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
{ هُوَ الحى لاَ إله إِلاَّ هُوَ فادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } .
استئناف ثالث للارتقاء في إثبات إلهيته الحقِّ بإثبات ما يناسبها وهو الحياة الكاملة ، فهذه الجملة مقدمة لجملة { لا إله إلاَّ هُوَ } فإثبات الحياة الواجبة لذاته فإن الذي رَبَّ العالمين وأوجدَهم على أكمل الأحوال وأمدهم بما به قوامهم على ممر الأزمان لا جرم أنه موصوف بالحياة الحق لأن مدبّر المخلوقات على طول العصور يجب أن يكون موصوفاً بالحياة ، إذ الحياة ( مع ما عرض من عسر في تعريفها عند الحكماء والمتكلمين ) هي صفة وجودية تصحح لمن قامت به الإِدراكَ والإِرادة والفعل ، وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : { وكنتم أمواتاً فأحياكم } في سورة [ البقرة : 28 ] .
فإن كان اتصاف موصوفها بها مسبوقاً بعدم فهي حياة ممكنة عارضة مثل حياة الملائكة وحياة الأرواح وحياة الإنسان وحياة الحيوان وحياة الأساريع ، فتكون متفاوتة في موصوفاتها بتفاوت قوتها فيها ومتفاوتة في موصوفها الواحد بتفاوت أزمانها مثل تفاوت حياة الشخص الواحد في وقت شبابه ، وحياته في وقت هرمه ومثل حياة الشخص وقت نشاطه وحياته وقت نومه ، وبذلك التفاوت تصير إلى الخفوت ثم إلى الزوال ، ويظهر أثر تفاوتها في تفاوت آثارها من الإِدراك والإِرادة والفعل .
وإن كان اتصاف موصوفها بها أزليًّا غير مسبوق بعدم فهي حياة واجب الوجود سبحانه وهي حياة واجبة ذاتية . وهي الحياة الحقيقية لأنها غير معرَّضة للنقص ولا للزوال ، فلذلك كان الحيّ حقيقة هو الله تعالى كما أنبأت عنه صيغة الحصر في قوله : { هُوَ الحَيُّ } وهو قصر ادعائي لعدم الاعتداد بحياة ما سواه من الأحياء لأنها عارضة ومعرّضة للفناء والزوال .
فموقع قوله : { لا إله إلاَّ هُوَ } موقع النتيجة من الدليل لأن كل من سواه لا حياة له واجبةً ، فهو معرض للزوال فكيف يكون إلهاً مدبراً للعالم . وجميع ما عبد من دون الله هو بَيْن ما لم يتصف بالحياة تماماً كالأصنام من الحجارة أو الخشب أو المعادن . ومثلَ الكواكب الشمسسِ والقمر والشجر ، وبين ما اتّصف بحياة عارضة غير زائلة كالملائكة ، وبين ما اتصف بحياة عارضة زائلة من معبودات البشر مثل ( بُوذة ) و ( بَرْهَما ) بَلْهَ المعبودات من البقر والثعابين . قال تعالى : { والذين تدعون من دون اللَّه لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون } [ النحل : 20 ] أي لا يستطيع أحدهم التصرف بالإِيجاد والإِحياء وهو مخلوق ، أي معرض للحياة { أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيّان يبعثون } [ النحل : 21 ] فجعل نفي الحياة عنهم في الحال أو في المآل دلالة على انتفاء إلهيتهم وجعل نفي إدراك بعض المدركات عنهم دلالة على انتفاء إلهيتهم .
وبعد اتضاح الدلالة على انفراده تعالى بالإِلهية فرع عليه الأمر بعبادته وحده غير مشركين غيره في العبادة لنهوض انفراده باستحقاق أن يُعبد .
والدعاء : العبادة لأنها يلازمها السؤال والنداء في أولها وفي أثنائها غالباً ، لأن الدعاء عنوان انكسار النفس وخضوعها كما تقدم آنفاً عند قوله تعالى : { وقَالَ رَبُّكم ادعُوني أستَجِبْ لَكُم } [ غافر : 60 ] وكما في قوله الآتي : { بل لم نكن ندعو من قبل شيئاً } [ غافر : 74 ] .
والإِخلاص : الإِفراد وتصفية الشيء مما ينافيه أو يفسده .
والدين : المعاملة . وأطلق على الطاعة وهو المراد هنا لأنها أشد أنواع المعاملة بين المطيع والمطاع . والمعنى : فإذ كان هو الحي دون الأصنام وكان لا إله غيره فاعبدوه غير مشركين معه غيره في عبادته .
ويدخل في ماهية الإِخلاص دخولاً أولياً ترك الرِّيَاء في العبادة لأن الرياء وهو أن يقصد المتعبد من عبادته أن يَراه الناس سواء كان قصداً مجرداً أو مخلوطاً مع قصد التقرب إلى الله . كل ذلك لا يخلو من حصول حظ في تلك العبادة لِغير الله وإن لم يكن ذلك الحظ في جوهرها . وهذا معنى ما جاء في الحديث « إن الرياء الشرك الأصغر »{[361]} .
وتقديم { له } المتعلق بمخلصين على مفعول { مخلصين } لأنه الأهم في هذا المقام به لأنه أشد تعلقاً بمتعلقه من تعلق المفعول بعامله .
{ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين }
يجوز أن تكون إنشاء للثناء على الله كما هو شأن أمثالها في غالب مواقع استعمالها كما تقدم في سورة الفاتحة ، فيجوز أن تكون متصلة بفعل { فادعوه } على تقدير قول محذوف ، أي قائلين ، الحمد لله رب العالمين ، أو قولوا : الحمد لله رب العالمين ، وقرينة المحذوف هو أن مثل هذه الجملة مما يجري على ألسنة الناس كثيراً فصارت كالمثل في إنشاء الثناء على الله . والمعنى : فاعبدوه بالعمل وبالثناء عليه وشكره . ويجوز أن تكون كلاماً مستأنفاً أريد به إنشاء الثناء على الله من نفسه تعليماً للناس كيف يحمدونه ، كما تقدم في وجوه نظيرها في سورة الفاتحة . أو جارياً على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم على نحو قوله تعالى : { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد للَّه رب العالمين } [ الأنعام : 45 ] عقب قوله : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللَّه أو أتتكم الساعة أغير اللَّه تدعون إن كنتم صادقين } الآيات من سورة [ الأنعام : 40 ] .
وعندي : أنه يجوز أن يكون { الحمد } مصدراً جيء به بدلاً من فعله على معنى الأمر ، أي أحمدوا اللَّه ربَّ العالمين . وعدل به عن النصب إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام والثبات كما تقدم في أول الفاتحة . وفصل الجملة عن الكلام الذي قبلها أسعد بالاحتمالين الأول والرابع .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"هُوَ الحَيّ": هو الحيّ الذي لا يموت، الدائم الحياة، وكل شيء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها.
"لا إلَهَ إلاّ هُوَ": لا معبود بحقّ تجوز عبادته، وتصلح الألوهة له إلا الله الذي هذه الصفات صفاته، فادعوه أيها الناس مخلصين له الدين، مخلصين له الطاعة، مفردين له الألوهة، لا تشركوا في عبادته شيئا سواه، من وثن وصنم، ولا تجعلوا له ندا ولا عِدلاً.
"الحَمْدُ للّهِ رَبّ العَالمِينَ" يقول: الشكر لله الذي هو مالك جميع أجناس الخلق، من مَلك وجنّ وإنس وغيرهم، لا للآلهة والأوثان التي لا تملك شيئا، ولا تقدر على ضر ولا نفع، بل هو مملوك، إن ناله نائل بسوء لم يقدر له عن نفسه دفعا. وكان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال: لا إله إلا الله، أن يتبع ذلك: الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالمِينَ تأولاً منهم هذه الآية، بأنها أمر من الله بقيل ذلك...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{الحي} هو الذي لا يموت أبدا. لكن هذا مما يعرفه كل أحد. وأصل الحي، هو النهاية والغاية في الثناء عليه والمدح؛ لأن كل شيء يبلغ في الانتفاع به غايته، يسمّى حيا، نحو الأرض والأشجار.
{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} هو المعبود في لسان العرب، ويسمّي العرب كل معبود إلها، كأنه يقول: لا إله، ولا معبود، يستحق العبادة إلا هو.
يحتمل قوله {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ} وجهين:
أحدهما: أخلصوا العبادة والدين. والإخلاص هو التصفية له.
والثاني: ادعوه على حقيقة الدعاء له والتسمية؛ كأنه يقول: والله أعلم: ادعوه، وسمّوه إلها، لا تدعوا، ولا تسمّوا غيرا إلها لأنهم كانوا يسمّون، ويدعون الأصنام التي عبدوها آلهة.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي الحمد لله، ربٌّ على خلقه بما أنعم عليهم.
{هو الحي لا إله إلا هو} وهذا يفيد الحصر وأن لا حي إلا هو، فوجب أن يحمل ذلك على الحي الذي يمتنع أن يموت امتناعا ذاتيا، وحينئذ لا حي إلا هو فكأنه أجرى الشيء الذي يجوز زواله مجرى المعدوم.
واعلم أن الحي عبارة عن الدراك الفعال والدراك إشارة إلى العلم التام، والفعال إشارة إلى القدرة الكاملة، ولما نبه على هاتين الصفتين من صفات الجلال نبه على الصفة الثالثة وهي: الوحدانية بقوله لا إله إلا هو، ولما وصفه بهذه الصفات أمر العباد بشيئين: أحدهما بالدعاء، والثاني بالإخلاص فيه، فقال: {فادعوه مخلصين له الدين} ثم قال: {الحمد لله رب العالمين} فيجوز أن يكون المراد قول: {الحمد لله رب العالمين} ويجوز أن يكون المراد أنه لما كان موصوفا بصفات الجلال والعزة، استحق لذاته أن يقال له الحمد لله رب العالمين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف ثالث للارتقاء في إثبات إلهيته الحقِّ؛ بإثبات ما يناسبها وهو الحياة الكاملة فهذه الجملة مقدمة لجملة {لا إله إلاَّ هُوَ}؛ فإثبات الحياة الواجبة لذاته؛ فإن الذي رَبَّ العالمين وأوجدَهم على أكمل الأحوال وأمدهم بما به قوامهم على ممر الأزمان لا جرم أنه موصوف بالحياة الحق؛ لأن مدبّر المخلوقات على طول العصور يجب أن يكون موصوفاً بالحياة، إذ الحياة (مع ما عرض من عسر في تعريفها عند الحكماء والمتكلمين) هي صفة وجودية تصحح لمن قامت به الإِدراكَ والإِرادة والفعل فإن كان اتصاف موصوفها بها مسبوقاً بعدم، فهي حياة ممكنة عارضة مثل حياة الملائكة وحياة الأرواح وحياة الإنسان وحياة الحيوان وحياة الأساريع، فتكون متفاوتة في موصوفاتها بتفاوت قوتها فيها ومتفاوتة في موصوفها الواحد بتفاوت أزمانها مثل تفاوت حياة الشخص الواحد في وقت شبابه، وحياته في وقت هرمه ومثل حياة الشخص وقت نشاطه وحياته وقت نومه، وبذلك التفاوت تصير إلى الخفوت ثم إلى الزوال، ويظهر أثر تفاوتها في تفاوت آثارها من الإِدراك والإِرادة والفعل. وإن كان اتصاف موصوفها بها أزليًّا غير مسبوق بعدم فهي حياة واجب الوجود سبحانه وهي حياة واجبة ذاتية. وهي الحياة الحقيقية لأنها غير معرَّضة للنقص ولا للزوال، فلذلك كان الحيّ حقيقة هو الله تعالى كما أنبأت عنه صيغة الحصر في قوله: {هُوَ الحَيُّ} وهو قصر ادعائي لعدم الاعتداد بحياة ما سواه من الأحياء؛ لأنها عارضة ومعرّضة للفناء والزوال. فموقع قوله: {لا إله إلاَّ هُوَ} موقع النتيجة من الدليل لأن كل من سواه لا حياة له واجبةً، فهو معرض للزوال فكيف يكون إلهاً مدبراً للعالم. وجميع ما عبد من دون الله هو بَيْن ما لم يتصف بالحياة تماماً كالأصنام من الحجارة... {أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيّان يبعثون} [النحل: 21] فجعل نفي الحياة عنهم في الحال أو في المآل دلالة على انتفاء إلهيتهم وجعل نفي إدراك بعض المدركات عنهم دلالة على انتفاء إلهيتهم.
وبعد اتضاح الدلالة على انفراده تعالى بالإِلهية، فرع عليه الأمر بعبادته وحده غير مشركين غيره في العبادة لنهوض انفراده باستحقاق أن يُعبد.
والدعاء: العبادة لأنها يلازمها السؤال والنداء في أولها وفي أثنائها غالباً؛ لأن الدعاء عنوان انكسار النفس وخضوعها كما تقدم آنفاً عند قوله تعالى: {وقَالَ رَبُّكم ادعُوني أستَجِبْ لَكُم}.
والإِخلاص: الإِفراد وتصفية الشيء مما ينافيه أو يفسده.
والدين: المعاملة. وأطلق على الطاعة وهو المراد هنا؛ لأنها أشد أنواع المعاملة بين المطيع والمطاع. والمعنى: فإذ كان هو الحي دون الأصنام وكان لا إله غيره فاعبدوه غير مشركين معه غيره في عبادته. ويدخل في ماهية الإِخلاص دخولاً أولياً ترك الرِّيَاء في العبادة؛ لأن الرياء وهو أن يقصد المتعبد من عبادته أن يَراه الناس سواء كان قصداً مجرداً أو مخلوطاً مع قصد التقرب إلى الله.
كل ذلك لا يخلو من حصول حظ في تلك العبادة لِغير الله وإن لم يكن ذلك الحظ في جوهرها. وهذا معنى ما جاء في الحديث « إن الرياء الشرك الأصغر»...
قوله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ} كأن كلّ صفات الكمال الأصل فيها أنْ توجد بحياة، فلا يمكن أنْ توجد قوة إلا بحياة، ولا سمع إلا بحياة، ولا بصر إلا بحياة. وكلمة (الحي) تعني أن الله تعالى ليس من الأغيار، فأنتم لكم وجود وحياة مرتبطة بهذا الوجود، أما الحق سبحانه فحيٌّ بذاته، الحيُّ صفة ذاته، والمحيي صفة فعله، وما دام الحيُّ صفة الذات؛ فما بالذات لا يتخلف، فهو حَيٌّ أي: لا يموت، لكن صفة المحيي يقابلها صفة المميت؛ فيُحيي هذا ويُميت هذا.
لذلك قالوا: الاسم الذي له مقابل (صفة فعل)، والاسم الذي ليس له مقابل (صفة ذات) فقالوا في الثناء عليه سبحانه: يا حي صفة ذاته، ويا محيي صفة فعله، وما بالذات لا يفوت، وما بالفعل يحيا ويموت.
وما دام أنه سبحانه حَيٌّ ولا إله إلا هو {فَـادْعُوهُ} بشرط {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} يعني: حين تدعوه لا يكون في بالك غيره، فإذا لم يكن في بالك غيره حين تدعوه كان معك واستجاب لك.
نعم {فَـادْعُوهُ} لأنه قيوم يقول لك: نَمْ واسترح لأن ربك قيُّوم لا ينام
{لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [البقرة: 255] وكأنه سبحانه [يدلل] مَنْ آمن به {فَـادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فإياك أنْ تقول: توكلت على الله وعليك، أو توكلت على الله ثم عليك، هذا كله كذب، استكفِ بالله وكفى به وكيلاً.
وحين تدعوه مخلصاً له الدين فقد وضعتَ أمرك في يد واحد، هو الذي يملك أنْ يفعل، لا أنْ تذبذبه في يد مَنْ لا يستطيع، ثم لاحظ في الدعاء أن ربك أعطاك واستجاب لك قبل أنْ تدعو، بل وقبل أن تعرف الدعاء، بل وأعطاك قبل أنْ توجد أصلاً، إذن: كل ما يريده منك هو إظهار ذل العبودية لعِزِّ الربوبية.
{الْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يعني: احمدوا الله أنْ تفضَّل عليكم بكلِّ هذه النعم بداية، أوجدكم من عدم وأمدكم من عُدْم، إلى أنْ ينتهي بكم المطاف في الجنة إنْ شاء الله؛ لذلك ساعة ندخل الجنة نقول كما قال سبحانه: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10].
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(فادعوه مخلصين له الدين) واتركوا جانباً كلّ شيء غيره. لأنّها جميعاً فانية، وحتى في حال حياتها فهي في تغيّر دائم «فالذي لا يتغيّر هو الله تعالى فقط. والذي لم يمت ولن يموت هو سبحانه فحسب». ثم تنتهي الآية بقوله تعالى: (الحمد لله ربّ العالمين). والتعبير القرآني درس للعباد بأن يتوجهوا بالشكر والحمد إلى الخالق جلّ وعلا دون غيره، فهو جزيل العطايا كثير المواهب مطلق النعم على عباده، خاصّة نعمة الحياة والوجود بعد العدم...