{ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ } ، أي : إنما يصدر افتراه الكذب من { الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } ، كالمعاندين لرسوله من بعد ما جاءتهم البينات ، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } ، أي : الكذب منحصر فيهم وعليهم أولى بأن يطلق من غيرهم . وأما محمد صلى الله عليه وسلم المؤمن بآيات الله ، الخاضع لربه فمحال أن يكذب على الله ويتقول عليه ما لم يقل ، فأعداؤه رموه بالكذب الذي هو وصفهم ، فأظهر الله خزيهم وبين فضائحهم ، فله تعالى الحمد .
ثم أخبر تعالى أن رسوله ليس بمفتر ولا كَذَّاب ؛ لأنه : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ } على الله وعلى رسوله شِرارُ الخلق ، { الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } ، من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس . والرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، كان{[16705]} أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا ، معروفًا بالصدق في قومه ، لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدْعى بينهم إلا بالأمين محمد ؛ ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان فيما قال له : أو كنتم{[16706]} تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا . فقال : هرقل فما كان ليَدع الكذب على الناس ، ويذهب فيكذب على الله عز وجل .
ثم قلب الأمر عليهم فقال : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } ؛ لأنهم لا يخافون عقابا يردعهم عنه . { وأولئك } ، إشارة إلى الذين كفروا أو إلى قريش . { هم الكاذبون } ، أي : الكاذبون على الحقيقة ، أو الكاملون في الكذب ؛ لأن تكذيب آيات الله والطعن فيها بهذه الخرافات أعظم الكذب ، أو الذين عادتهم الكذب لا يصرفهم عنه دين ولا مروءة ، أو الكاذبون في قولهم : { إنما أنت مفتر } ، { إنما يعلمه بشر } .
وقوله : { إنما يفتري الكذب } ، بمعنى يكذب ، وهذه مقاومة للذين قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم : إنما أنت مفتر ، و { إنما } ، أبداً حاصرة ، لكن حصرها يختلف باختلاف المعاني التي تقع فيها ، فقد يربط المعنى أن يكون حصرها حقيقياً كقوله تعالى : { إنما الله إله واحد }{[7418]} [ النساء : 171 ] ، وقد يقتضي المعنى أن يكون حصرها تجوزاً ومبالغة ، كقولك : إنما الشجاع عنترة ، وهكذا هي في هذه الآية ، قال الزجاج : يفتري هذا الصنف ؛ لأنهم إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله ، كذبوا بها ، فهذا أفحش الكذب ، وكرر المعنى في قوله : { وأولئك هم الكاذبون } ؛ لفائدة إيقاع الصفة بالكذب عليهم ، إذ الصفة بالشيء أبلغ من الخبر به ؛ لأن الصفة تقتضي الدوام أكثر مما يقتضيه الخبر فبدأ في هذه الآية بالخبر ، ثم أكد بالصفة ، وقد اعترض هذا النظر مكي ، وليس اعتراضه بالقوي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.