ثم قال : { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ } قال ابن عباس : ذات البهاء والجمال والحسن والاستواء . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جُبَيْر ، وأبو مالك {[27403]} ، وأبو صالح ، والسدي ، وقتادة ، وعطية العوفي ، والربيع بن أنس ، وغيرهم .
وقال الضحاك ، والمِنْهَال بن عمرو ، وغيرهما : مثل تجعد الماء والرمل والزرع إذا ضربته الريح ، فينسج بعضه بعضا طرائق [ طرائق ] {[27404]} ، فذلك الحبك .
قال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال : " إن من ورائكم الكذاب المضل ، وإن رأسه من ورائه حُبُك حُبُك " يعني بالحبك : الجعودة {[27405]} .
وعن أبي صالح : { ذَاتِ الْحُبُكِ } : الشدة . وقال خصيف : { ذَاتِ الْحُبُكِ } : ذات الصفافة .
وقال الحسن بن أبي الحسن البصري : { ذَاتِ الْحُبُكِ } : حبكت بالنجوم .
وقال قتادة : عن سالم بن أبي الجَعْد ، عن مَعْدان بن أبي طلحة ، عن عمرو البكالي ، عن عبد الله بن عمرو : { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ } : يعني : السماء السابعة .
وكأنه - والله أعلم - أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة ، وهي عند كثير من علماء الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع ، والله أعلم . وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد ، وهو الحسن والبهاء ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما {[27406]} ، فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة ، شديدة البناء ، متسعة الأرجاء ، أنيقة البهاء ، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات ، موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات .
و{ السماء ذات الحبك } ذات الطرائق ، والمراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسير الكواكب أو المعقولة التي يسلكها النظار وتتوصل بها إلى المعارف ، أو النجوم فإن لها طرائق أو أنها تزينها كما يزين الموشي طرائق الوشي . جمع حبيكة كطريقة وطرق أو حباك كمثال ومثل . وقرئ " الحبك " بالسكون و " الحبك " كالإبل و " الحبك " كالسلك و " الحبك " كالجبل و " الحبك " كالنعم و " الحبك " كالبرق .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{و} أقسم ب {والسماء ذات الحبك} يعني مثل الطرائق التي تكون في الرمل من الريح...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: والسماء ذات الخَلْق الحسن. وعنى بقوله:"ذَاتِ الحُبُكِ": ذات الطرائق، وتكسير كل شيء: حُبُكُه، وهو جمع حِباك وحَبيكة، يقال لتكسير الشعرة الجعدة: حُبك، وللرملة إذا مرّت بها الريح الساكنة، والماء القائم، والدرع من الحديد لها حُبُك...
عن سعيد بن جُبَير "والسّماءِ ذَاتِ الحُبُكِ "قال: حبكها: حسنها واستواؤها...
عن الحسن، قوله: "والسّماءِ ذَاتِ الحُبُكِ" قال: حبكت بالخلق الحسن، حبكت بالنجوم...
عن مجاهد، قوله: "والسّماءِ ذَاتِ الحُبُكِ" قال: المتقن البنيان.
قال ابن زيد، في قوله: "ذَاتِ الْحُبُكِ" قال: الشدة؛ حُبِكَت: شُدّت. وقرأ قول الله تبارك وتعالى: "وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعا شِدَادا"...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"والسماء ذات الحبك" فالحبك الطرائق التي تجري على الشيء كالطرائق التي ترى في السماء. وترى في الماء الصافي إذا مرت عليه الريح، وهو تكسر جار فيه... "والسماء ذات الحبك" أي ذات حسن الطرائق...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{الحبك} الطرائق، مثل حبك الرمل والماء: إذا ضربته الريح، وكذلك حبك الشعر: آثار تثنيه وتكسره...
والدرع محبوكة: لأنّ حلقها مطرق طرائق. ويقال: إنّ خلقه السماء كذلك.
وعن الحسن: حبكها نجومها. والمعنى: أنها تزينها كما تزين الموشى طرائق الوشي. وقيل: حبكها صفاتها وإحكامها، من قولهم: فرس محبوك المعاقم؛ أي محكمها. وإذا أجاد الحائك الحياكة قالوا: ما أحسن حبكه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{والسماء ذات الحبك} أي الآيات المحتبكة بطرائق النجوم المحكمة، الحسنة الصنعة، الجيدة الرصف والزينة، حتى كأنها منسوجة، الجميلة الصنعة الجليلة الآثار، الجامعة بين القطع والاختلاط، والاتفاق والاختلاف...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب. كتنسيق الزرد المتشابك المتداخل الحلقات.. وقد تكون هذه إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد مجعدة تجعد الماء والرمل إذا ضربته الريح...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.