اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡحُبُكِ} (7)

ثم ابتدأ قسماً آخر وهو قوله : { والسماء ذَاتِ الحبك } العامة على الحُبُك - بضمتين - قال ابن عباس وقتادة وعكرمة : ذاتِ الخلق الحسن المستوي ، يقال للنساج إذا نَسَجَ الثَوْبَ فَأَجَاد : ما أحْسَنَ حَبْكهُ . وقال سعيد بن جبير : ذاتِ الزّينة أي المزينة بزينة الكواكب . قال الحسن : حُبِكَتْ بالنُّجوم . وقال مجاهد : هي المتقنة المبنيّات . وقال مقاتل والكلبي والضحاك : ذات الطرائق{[52678]} كحَبْك الماء إذا ضَرَبَتْهُ الرِّيح ، وحَبْكِ الرَّمل والشّعر الجَعْد وهو آثار تَثَنِّيه وَتَكسُّرِهِ{[52679]} ، قال زهير :

مُكَلَّلٌ بِأُصُولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ *** ريحٌ خَريقٌ لضَاحي مَائهِ حُبُك{[52680]}

والحبك جمع يحتمل أن يكون مفرده حَبِيكَة ، كطَرِيقةٍ وطُرُق أَو حِباك نحو : حِمَار وحُمُر قال :

كَأَنَّمَا جَلَّلَها الحُوَّاكُ *** طِنْفسَةٌ فِي وَشْيِهَا حِبَاكُ{[52681]}

وأصل الحَبْك إحكام الشيء وإتقانه ، ومنه يقال للدروع : مَحْبُوكة . وقيل : الحَبْكُ الشدّ والتَّوَثُّق ، قال امرؤ القيس :

قَدْ غَدَا يَحْمِلُنِي فِي أَنْفِهِ *** لاَحِقُ الإطْلَيْنِ مَحبُوكٌ مُمَرّ{[52682]}

وفي هذه اللفظة قراءات كثيرة ، فعن الحسن - ( رضي الله عنه ) {[52683]} - ست قراءات ، الحبك - بالضم - كالعُنُق ، وبضم الحاء وسكون الباء وتروى عن ابن عباس ، وأبي عمرو{[52684]} ، وبكسر الحاء والباء{[52685]} ، وبكسر الحاء وسكون الباء{[52686]} ، وهو تخفيف المكسور ، وكسر الحاء وفتح الباء{[52687]} ، وكسر الحاء وضم الباء{[52688]} ، وهذه أقلها لأن هذه الزنة مهملة في أبنية العرب{[52689]} .

قال ابن عطية وغيره : هو من التداخل ، يعني أن فيها لغتين الكسر في الحاء والباء والضم فيهما فأخذ هذا القارئ الكسرَ من لغةٍ ، والضمّ من أُخْرَى{[52690]} . واستبعدها الناس ؛ لأن التداخل إنما يكون في كلمتين . وخرجها أبو حيان على أن الحاء أتبعت لحركة التاء في ذات ، قال : ولم يعتد باللام فاصلةً لأنها ساكنة فهي حاجز بَيِّنٌ حصين{[52691]} .

وقد وافق الحسن على هذه القراءة أبو مالك{[52692]} الغِفَارّي .

وقرأ عكرمة بالضم والفتح جمع حُبْكَة نحو : غُرْفَة وغُرَف{[52693]} ، وابن عباس وأبو مالك الحَبَك بفتحتين ، جمع حَبْكَة كعَقْبَة وعَقَب{[52694]} .


[52678]:وانظر تفسير العلامتين الخازن والبغوي في تفسيرهما لباب التأويل ومعالم التنزيل 6/241 وتفسير العلامة القرطبي في الجامع 17/31.
[52679]:قاله أبو زكريا الفراء في معاني القرآن 3/2 وانظر تفسير الإمام 28/197.
[52680]:من البسيط به. والنجم كل شيء من النبات ليس له ساق ينبت حول الماء كالإكليل على أنه يروى في اللسان النبت "وريح خرق" شديدة. والشاهد في: "حبك" فهو تكسر الماء القائم إذا مرت به الريح. وانظر البيت في القرطبي 17/32 والهمع 8/132 ومجمع البيان للطبرسي 9/229 واللسان "حبك" والمحتسب 2/287 والدر المنثور 7/692 والديوان 176.
[52681]:رجز لم أعلم قائله والطنفسة بكسر الطاء وضم الفاء وكسرها، وضبطها صاحب اللسان بتثليث الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس- النمرقة فوق الرحل. والبيت شاهد على الحباك واحد حبك والحِباك والحبيكة الطريقة في الرمل ونحوه. وانظر البحر 8/132 والقرطبي 17/32.
[52682]:البيت من الرمل له وهو في ديوانه 146. والإطلين مثنى إطل وهو الخاصرة كلها، وقيل غير ذلك والممرّ الشديد الخلق من الفرس وغيره. والمعنى يصف فرسا بالقوة والصلابة. والشاهد محبوك مفعول وقد فسرته الآن. وانظر: فتح القدير 5/83 والبحر 8/132 والقرطبي 17/32.
[52683]:سقط في أ.
[52684]:ذكرها أبو الفتح في المحتسب 2/286. وانظر: البحر المحيط 8/134.
[52685]:ذكرها ابن خالويه في المختصر 145 وابن جني في المحتسب 2/286.
[52686]:ذكرها بنسبة له ابن جني في المرجع السابق بينما قال ابن خالويه: "الحِبك عن آخرين".
[52687]:نسبها أبو حيان للحسن في البحر 8/134.
[52688]:المحتسب 2/286 وقد ذكرها ابن عطية عن الحسن فيما حكى أبو حيان في البحر المرجع السابق.
[52689]:قال أبو حيان: "وقال صاحب اللوامح: وهو عديم النظير في العربية في أبنيتها وأوزانها، ولا أرى ما رأى". انظر: المرجع السابق.
[52690]:بالمعنى من البحر 8/134 فقد قال: "هي قراءة شاذة غير متوجهة وكأنه أراد كسرها ثم توهم الحبك قراءة الضم بعد أن كسر الحاء وضم الباء وهذا على تداخل اللغات، وليس في كلام العرب هذا البناء" انتهى. البحر المرجع السابق.
[52691]:البحر المرجع السابق.
[52692]:سبق ترجمته.
[52693]:وهي شاذة المحتسب 2/686.
[52694]:وهذا قول أبي الفضل الرازي فيما نقله صاحب البحر 8/134.