الآيتان 7 و8 وقوله تعالى : { والسماء ذات الحُبُك } { إنكم لفي قول مختلف } أقسم أيضا بالسماء ذات الحُبُك ، وموضع [ جواب ]{[19859]} القسم : { إنكم لفي قول مختلف } .
ثم اختُلف في قوله تعالى : { والسماء ذات الحُبك } رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه [ في قوله تعالى : { والسماء ذات الحُبك } ]{[19860]} [ أنه ]{[19861]} قال : حُسنها واستواؤها ، وقال بعضهم : { ذات الحُبك } أي ذات بُنيان مُتقَن مُحكَم . وكلا التأويلين يرجعان إلى واحد ؛ فإن حُسن خلق السماء بالإتقان والإحكام ، يقال عن الحائِك إذا أحسن النّسْج ، وأحكمه ، حَبَك الثوب .
وقال الحسن : حُبِكت بالنجوم ، وحُبكت بحُسن الخُلُق . وقال بعضهم : ذات الشدة والاستواء ؛ يقال : حَبَكْت الحبل إذا شددت فتْلَه . كذلك قاله أبو عبيدة ، وقال القتبيّ : ذات الحُبُك ، ذات الطرائق ، وكذلك قال أبو عوسجة .
ثم هو على ما ذكرنا من الوجهين : إن القسم بعين السماء ، أو ربّ السماء ، والله أعلم .
ثم [ قوله عز وجل ]{[19862]} : { إنكم لفي قول مختلف } في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي القرآن ما لو كان ذلك القول منكم عن علم ومعرفة لم يخرج مختلفا متناقضا [ وهو يحتمل وجوها :
أحدها : أنهم ]{[19863]} قالوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه مجنون ، وإنه ساحر ، وإنه شاعر ، وإنه مُفترٍ ، وهذا مختلف متناقض ، لأن الساحر ، هو الذي يبلغ في معرفة الأشياء غايتها ، وكذا الشاعر ، ولا يحتمل أن يبلُغ المجنون ذلك المبلغ بحال ، فتكون نسبتهم إياه إلى هذه الجملة في حال واحدة تخرّج على التناقض .
وكذلك قولهم في القرآن : إنه أحاديث الأولين ، وإنه مُفترى ، والافتراء خلاف الأساطير مع أنهم عجِزوا عن إتيان مثله ، يكون هذا تناقضا من القول .
فدلّ اختلافهم في القول فيهما على أنهم قالوا ذلك عن جهل لا عن علم ؛ إذ لو كان [ عن علم ذلك لكان ]{[19864]} لا يختلف ، ولا يتناقض ، وهذا الخطاب على هذا التأويل يكون للكَفَرة .
والثاني : إنما قال في الدلالة على البعث : { إنكم لفي قول مختلف } أي في عقولكم الاختلاف والافتراق بين المُصلِح والمُفسد والمُحسن والمُسيء ، وقد عرفتُم الاستواء بينهما في هذه الدنيا . دلّ أن هنالك دار أخرى ، فيها يفرّق بينهما ويُميّز ، وهذا التأويل لا يختص به الكافر ، بل يعمّ الكلّ ، والله أعلم .
والثالث : { إنكم لفي قول مختلف } أي قول متفرّق ومذهب متناقض ؛ فإنهم كانوا يعبدون أشياء على هواهم ؛ فإذا هوُوا شيئا آخر تركوا ذلك ، وعبدوا الأخير{[19865]} . وكذلك يقولون قولا بلا حجّة ، ثم يرجعون إلى قول آخر ، لا ثبات لهم على شيء ، وهو كقوله تعالى : { ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } [ آل عمران : 105 ] .
والرابع : { إنكم لفي قول مختلف } أي في أمر الآخرة ، لأن منهم من يدّعي أن الآخرة لهم ، لو كانت ، ومنهم من يدّعي الشِّرْكة مع المسلمين : فردّ الله تعالى عليهم بقوله : { يؤْفَكُ عنه من أُفِك } [ الذاريات : 9 ] وهو كقوله تعالى : { فنجعل المسلمين كالمجرمين } { ما لكم كيف تحكُمون } [ القلم : 35 و36 ] وقوله{[19866]} : { أم حسِب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتُهم ساء ما يحكمون } [ الجاثية : 21 ] .
والخامس : يحتمل أن مواعيدهم ومنازلهم مختلفة في الآخرة ، والله أعلم .
وذكر بعض أهل التأويل أن الناس يأتون مكة من البلدان المختلفة ليتفحّصوا عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمعوا كلامه ، فكان كفار مكة يصدّونهم عنه ، ويقول بعضهم : إنه مجنون ، وبعضهم كذّاب ، وبعضهم شاعر ، وذلك قوله تعالى : { إنكم لفي قول مختلف } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.