{ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أي : انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه { فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } أي : لا حرج عليهم في ذلك .
ودل قوله : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ } وقوله : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أنه لا بد من إصابة البغي والظلم ووقوعه .
وأما إرادة البغي على الغير ، وإرادة ظلمه من غير أن يقع منه شيء ، فهذا لا يجازى بمثله ، وإنما يؤدب تأديبا يردعه عن قول أو فعل صدر منه .
ثم قال : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } أي : ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم .
قال ابن جرير{[25932]} حدثنا محمد بن عبد الله بن بَزيع{[25933]} حدثنا معاذ بن معاذ ، حدثنا {[25934]} ابن عَوْن قال : كنت أسأل عن الانتصار : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } فحدثني علي بن زيد{[25935]} بن جدعان عن أم محمد - امرأة أبيه - قال ابن عون : زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة{[25936]} - قالت : قالت أم المؤمنين : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندنا زينب بنت جحش ، فجعل يصنع بيده شيئا فلم يَفْطِن لها ، فقلت بيده حتى{[25937]} فَطَّنته لها ، فأمسك . وأقبلت زينب تقحم لعائشة ، فنهاها ، فأبت أن تنتهي . فقال لعائشة : " سُبّيها " فسبتها فغلبتها ، وانطلقت زينب فأتت عليا فقالت : إن عائشة تقع بكم ، وتفعل بكم . فجاءت فاطمة فقال{[25938]} لها " إنها حبة أبيك ورب الكعبة " فانصرفت ، وقالت لعلي : إني قلت له كذا وكذا ، فقال لي كذا وكذا . قال : وجاء علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه في ذلك{[25939]} .
هكذا ورد هذا السياق ، وعلي بن زيد بن جدعان يأتي في رواياته بالمنكرات غالبا ، وهذا فيه نكارة ، والحديث الصحيح خلاف هذا السياق ، كما رواه النسائي وابن ماجه من حديث خالد بن سلمة الفأفاء ، عن عبد الله البَهِيّ ، عن عروة قال : قالت عائشة ، رضي الله عنها : ما علمتُ حتى دخلت عليَّ زينب بغير إذن وهي غضبى ، ثم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر ذُرَيّعَتَيهَا ثم أقبلت علي فأعرضت عنها ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : " دونك فانتصري " فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها ، ما{[25940]} ترد علي شيئا . فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه . وهذا لفظ النسائي{[25941]} .
وقال البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا أبو غسان ، حدثنا أبو الأحوص عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن الأسود{[25942]} ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من دعا على من ظلمه فقد انتصر " .
ورواه الترمذي من حديث أبي الأحوص ، عن أبي حمزة - واسمه ميمون - ثم قال : " لا نعرفه إلا من حديثه ، وقد تكلم فيه من قبل حفظه " {[25943]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلََئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مّن سَبِيلٍ * إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ أُوْلََئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : ولمن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه إياه فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ يقول : فأولئك المنتصرون منهم لا سبيل للمنتصر منهم عليهم بعقوبة ولا أذى ، لأنهم انتصروا منهم بحقّ ، ومن أخذ حقه ممن وجب ذلك له عليه ، ولم يتعدّ ، لم يظلم ، فيكون عليه سبيل .
وقد اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك ، فقال بعضهم : عني به كلّ منتصر ممن أساء إليه ، مسلما كان المسيء أو كافرا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا معاذ ، قال : حدثنا ابن عون ، قال : كنت أسأل عن الانتصار وَلَمن انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ . . . الاَية ، فحدثني عليّ بن زيد بن جدعان ، عن أمّ محمد امرأة أبيه ، قال ابن عون : زعموا أنها كانت تدخل على أمّ المؤمنين قالت : قالت أمّ المؤمنين : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندنا زينب بنت جحش ، فجعل يصنع بيده شيئا ، ولم يفطن لها ، فقلت بيدي حتى فطّنته لها ، فأمسك ، وأقبلت زينب تقحم لعائشة ، فنهاها ، فأبت أن تنتهي ، فقال لعائشة : «سُبيها » فسبتها وغلبتها وانطلقت زينب فأتت عليا ، فقالت : إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم ، فجاءت فاطمة ، فقال لها : «إنها حِبّة أبيك ورَبّ الكَعْبَة » ، فانصرفت وقالت لعليّ : إني قلت له كذا وكذا ، فقال كذا وكذا قال : وجاء عليّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فكلّمه في ذلك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَمَنِ انْتَصَر بَعْدَ ظُلْمِهِ . . . الاَية ، قال : هذا في الخمش يكون بين الناس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ قال : هذا فيما يكون بين الناس من القصاص ، فأما لو ظلمك رجل لم يحلّ لك أن تظلمه .
وقال آخرون : بل عُنِي به الانتصار من أهل الشرك ، وقال : هذا منسوخ . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَمَنِ انْتَصَر بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ قال : لمن انتصر بعد ظلمه من المؤمنين انتصر من المشركين وهذا قد نسخ ، وليس هذا في أهل الإسلام ، ولكن في أهل الإسلام الذي قال الله تبارك وتعالى : ادْفَعْ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ ، فإذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كأنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ .
والصواب من القول أن يقال : إنه معنيّ به كلّ منتصر من ظالمه ، وأن الاَية محكمة غير منسوخة للعلة التي بينت في الاَية قبلها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.