المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ} (40)

40 - فلا أقسم برب المشارق والمغارب من الأيام والكواكب ، إنا لقادرون على أن نهلكهم ونأتي بمن هم أطوع منهم لله ، وما نحن بعاجزين عن هذا التبديل{[225]} .


[225]:قد يكون المراد بالمشارق والمغارب أقطار ملك الله على سعته التي لا تحد كما أشير في الآية 137 من سورة الأعراف {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها}، للدلالة على أرجاء الأرض المشار إليها. وقد يكون المراد أيضا مشارق الشمس والقمر وكافة النجوم والكواكب ومغاربها جميعا للدلالة أيضا على ملك الله كله. وترجع ظاهرة شروق الأجرام السماوية وغروبها إلى دوران الأرض حول محورها من الغرب نحو الشرق، ومن ثم تبدو لنا تلك الأجرام متحركة في قبة السماء على عكس ذلك الاتجاه مشرقة على الأفق الشرقي وغاربة من الأفق الغربي، أو على الأقل دائرة من الشرق إلى الغرب حول النجم القطبي ـ في نصف الكرة الشمالي مثلا ـ وإذا كان البعد القطبي للنجم أصغر من عرض مكان الراصد، فالنجم لا يشرق ولا يغرب بل يرسم دائرة صغيرة وهمية حول القطب الشمالي، وبذلك تشير الآية كذلك إلى ساعات الليل ـ راجع قوله تعالى: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} وظاهرة الشروق والغروب إشارة إذن إلى دوران كرة الأرض، هي نعمة كبرى من نعم الله على أحياء هذا الكوكب. فلولا دوران الأرض حول محورها لتعرض نصفها لضوء الشمس مدة نصف سنة وحرم من الضوء تماما النصف الآخر، وهذا ما لا تستقيم معه الحياة كما نعهدها. وإذا اقتصرنا عند ذكر المشارق والمغارب على تدبير الشمس وحدها دون سائر النجوم والكواكب، كانت هذه إشارة إلى التعدد اللانهائي لمشارق الأرض ومغاربها يوما بعد يوم في كل موضع على سطح الأرض، أو حتى في لحظة من لحظات الزمان تمر على الكرة الأرضية، فالشمس في كل لحظة غاربة عند نقطة ومشرقة في نقطة أخرى تقابلها. وهذا من محكم تدبير الله وإعجاز قدرته. (انظر أيضا التعليق العلمي على الآية 5 من سورة الصافات والآية 17 من سورة الرحمن).
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ} (40)

{ 40 - 44 } { فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }

هذا إقسام منه تعالى بالمشارق والمغارب ، للشمس والقمر والكواكب ، لما فيها من الآيات الباهرات على البعث ، وقدرته على تبديل أمثالهم ، وهم بأعيانهم ، كما قال تعالى : { وَنُنْشِئَكُمْ فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ} (40)

واستطرادا في تهوين أمرهم ، وتصغير شأنهم ، وتنكيس كبريائهم ، يقرر أن الله قادر على أن يخلق خيرا منهم ، وأنهم لا يعجزونه فيذهبون دون ما يستحقون من جزاء أليم :

( فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ، على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين ) .

والأمر ليس في حاجة إلى قسم . ولكن التلويح بذكر المشارق والمغارب ، يوحي بعظمة الخالق . والمشارق والمغارب قد تعني مشارق النجوم الكثيرة ومغاربها في هذا الكون الفسيح . كما أنها قد تعني المشارق والمغارب المتوالية على بقاع الأرض . وهي تتوالى في كل لحظة . ففي كل لحظة أثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس يطلع مشرق ويختفي مغرب . . .

وأيا كان مدلول المشارق والمغارب ، فهو يوحي إلى القلب بضخامة هذا الوجود ، وبعظمة الخالق لهذا الوجود . فهل يحتاج أمر أولئك المخلوقين مما يعلمون إلى قسم برب المشارق والمغارب ، على أنه - سبحانه - قادر على أن يخلق خيرا منهم ، وأنهم لا يسبقونه ولا يفوتونه ولا يهربون من مصيرهم المحتوم ? ! .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ} (40)

ثم قال : { فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ } أي : الذي خلق السموات والأرض ، وجعل مشرقا ومغربا ، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها . وتقدير الكلام : ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب ، ولا بعث ولا نشور ، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة . ولهذا أتى ب " لا " في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي ، وهو مضمون الكلام ، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة ، وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة ، وهو خلق السموات والأرض ، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات ، وسائر صنوف الموجودات ؛ ولهذا قال تعالى : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } [ غافر : 57 ] وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الأحقاف : 33 ] . وقال تعالى في الآية الأخرى : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ يس : 81 ، 82 ] . وقال هاهنا : { فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ} (40)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنّا لَقَادِرُونَ * عَلَىَ أَن نّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتّىَ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فلا أقسم بربّ مشارق الأرض ومغاربها إنّا لَقادِرُونَ على أنْ نُبَدّلَ خَيْرا مِنْهُمْ يقول : إنا لقادرون على أن نهلكهم ، ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يقول تعالى ذكره : وما يفوتنا منهم أحد بأمر نريده منه ، فيعجزنا هربا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا علية ، قال : أخبرنا عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، قال : قال ابن عباس : إن الشمس تطلع كلّ سنة في ثلاث مئة وستين كوّة ، تطلع كلّ يوم في كوّة ، لا ترجع إلى تلك الكوّة إلى ذلك اليوم من العام المقبل ، ولا تطلع إلا وهي كارهة ، تقول : ربّ لا تطلعني على عبادك ، فإني أراهم يعصونك ، يعملون بمعاصيك أراهم ، قال : أو لم تسمعوا إلى قول أمية بن أبي الصلت :

*** حتى تُجَرّ وتُجْلَدَ ***

قلت : يا مولاه وتجلد الشمس ؟ فقال : عَضَضْتَ بِهَنِ أبيك ، إنما اضطره الرويّ إلى الجلد .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني ابن عمارة ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس في قول الله : رَبّ المَشارِقِ والمَغارِبِ قال : إن الشمس تطلع من ثلاث مئة وستين مطلعا ، تطلع كلّ يوم من مطلع لا تعود فيه إلى قابل ، ولا تطلع إلا وهي كارهة ، قال عكرِمة : فقلت له : قد قال الشاعر :

*** حتى تُجَرّ وتُجْلَد ***

قال : فقال ابن عباس : عضِضت بهن أبيك ، إنما اضطره الرويّ .

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرنا عمارة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : إن الشمس تطلع في ثلاث مئة وستين كوّة ، فإذا طلعت في كوّة لم تطلع منها حتى العام المقبل ، ولا تطلع إلا وهي كارهة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس فَلا أُقْسِمُ بِرَبّ المَشارَقِ وَالمَغارِبِ قال : هو مطلع الشمس ومغربها ، ومطلع القمر ومغربه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ} (40)

قرأ الجمهور : «فلا أقسم » وذلك على أن تكون «لا » زائدة ، أو تكون رداً لفعل الكفار وقولهم ثم يقع الابتداء بالقسم . وقرأ قوم من القراء «فلأقسم » دون ألف مفردة ، و { المشارق والمغارب } هي مطالع الشمس والقمر وسائر الكواكب وحيث تغرب ، لأنها مختلفة عند التفضيل فلذلك جمع ، وقرأ عبد الله بن مسلم وابن محيصن : «برب المشرق والمغرب » على الإفراد ، ومتى ورد «المشرق والمغرب » ، وهي عبارة عن موضع الشروق وموضع الغروب بجملته وإن كان يتفصل بالصاد ، ومتى ورد المشرقان والمغربان فهي عبارة عن طرفي مواضع الشروق وطرفي موضع الغروب .