ومما يجب عليهم أن يقوموا به{[974]} ويعلنوه ويدعوا إليه ويصدعوا به ، ولهذا قال : { أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ } أي : أفبهذا الكتاب العظيم والذكر الحكيم أنتم تدهنون أي : تختفون وتدلسون خوفا من الخلق وعارهم وألسنتهم ؟ هذا لا ينبغي ولا يليق ، إنما يليق أن يداهن بالحديث الذي لا يثق صاحبه منه .
وأما القرآن الكريم ، فهو الحق الذي لا يغالب به مغالب إلا غلب ، ولا يصول به صائل إلا كان العالي على غيره ، وهو الذي لا يداهن به ولا يختفى ، بل يصدع به ويعلن .
ثم يأتي الإيقاع الأخير في السورة . . لحظة الموت . . اللمسة التي ترجف لها الأوصال . واللحظة التي تنهي كل جدال . واللحظة التي يقف فيها الحي بين نهاية طريق وبداية طريق . حيث لا يملك الرجوع ولا يملك النكوص :
( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ? وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون . فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون . ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون . فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين ) . .
أفأنتم شاكون في هذا الحديث الذي يقال لكم عن النشأة الآخرة ؛ مكذبون بالقرآن وما يقصه عليكم من شأن الآخرة ، وما يقرره لكم من أمور العقيدة ?
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَبِهََذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مّدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنّكُمْ تُكَذّبُونَ * فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلََكِن لاّ تُبْصِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره ، وقصصت عليكم أمره أيها الناس أنتم تلينون القول للمكذّبين به ، ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر .
واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم في ذلك نحو قولنا فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : أفَبِهَذَا الحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ قال : تريدون أن تمالئوهم فيه ، وتركنوا إليهم .
وقال آخرون : بل معناه : أفبهذا الحديث أنتم مكذّبون . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ يقول : مكذّبون غير مصدّقين .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : أنْتُمْ مُدْهِنُونَ يقول : مكذّبون .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أفبهذا الحديث} يعني القرآن {أنتم مدهنون} يعني تكفرون، مثل قوله: {ودوا لو تدهن فيدهنون} [القلم:9]...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره، وقصصت عليكم أمره أيها الناس أنتم تلينون القول للمكذّبين به، ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر... وقال آخرون: بل معناه: أفبهذا الحديث أنتم مكذّبون...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
المدهن الذي لا يفعل ما يحق عليه ويدفعه بالعلل...
المدهن: المنافق الذي ليّن جانبه ليخفي كفره. وقال بعض أئمّة اللغة: مدهنون أي تاركون للحزم في قبول هذا القرآن والتهاون بأمره.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
يقول الله تعالى مخاطبا للمكلفين على وجه التقريع لهم والتوبيخ بصورة الاستفهام "أفبهذا الحديث " الذي حدثناكم به وأخبرناكم به من حوادث الأمور... وسماه الله تعالى حديثا كما قال " الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها " ومعناه معنى الحدوث شيئا بعد شيء... والمدهن الذي يجري في الباطل على خلاف الظاهر، كالدهن في سهولة ذلك عليه والإسراع فيه، أدهن يدهن إدهانا وداهنه مداهنة مثل نافقه منافقة، وكل مدهن بصواب الحديث مذموم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{مدهنون}... وقال ابن عباس: هو المهاودة فيما لا يحل. والمداراة هي المهاودة فيما يحل.
{أفبهذا الحديث} الذي تتحدثون به {أنتم مدهنون} لأصحابكم تعلمون خلافه وتقولونه، أم أنتم به جازمون، وعلى الإصرار عازمون...والتحقيق فيه أن الإدهان: تليين الكلام لاستمالة السامع من غير اعتقاد صحة الكلام من المتكلم كما أن العدو إذا عجز عن عدوه يقول له أنا داع لك ومثن عليك مداهنة وهو كاذب، فصار استعمال المدهن في المكذب استعمالا ثانيا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أفبهذا} ولما كان الإنسان مغرماً بما يجدد له من النعم ولو هان فكيف إذا كان أعلى النعم قال: {الحديث} أي الذي تقدمت أوصافه العالية وهو متجدد إليكم إنزاله وقتاً بعد وقت {أنتم} أي وأنتم العرب الفصحاء والمفوهون البلغاء {مدهنون} أي كذابون منافقون بسببه تظهرون غير ما تبطنون أنه كذاب وأنتم تعلمون صدقه بحسن معانيه، وعجزكم عن مماثلته في نظومه ومبانيه، وتقولون: لو شئنا لقلنا مثل هذا: وجميع أفعالكم تخالف هذا فإنكم تصبرون لوقع السيوف ومعانقة الحتوف، ولا تأتون بشيء يعارضه يبادئ شيئاً منه أو يناقضه. أو تلاينون أيها المؤمنون من يكذب به ويطعن في علاه أو يتوصل ولو على وجه خفي إلى نقض شيء من عراه، تهاوناً به ولا يتصلبون في تصرفه تعظيماً لأمره حتى يكونوا أصلب من الحديد...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.