ولكن هذا المكر السىء ، والتحايل القبيح قد أبطله الله - تعالى - وجعله يحيق بهم وبأشياعهم ، فقد قال - تعالى -{ ومكَرُواْ مَكْراً ومكرنا مكرا } أى : ودبرنا لصالح - عليه السلام - ولمن آمن به ، تدبيرا محمودا محكما { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أى : وهم لا يشعرون بتدبيرنا الحكيم ، حيث أنجينا صالحا ومن معه من المؤمنين ، وأهلكنا أعداءه أجمعين .
سمَّى الله تآمرهم مكراً لأنه كان تدبير ضُرّ في خفاءٍ . وأكد مكرهم بالمفعول المطلق للدلالة على قوته في جنس المكر ، وتنوينه للتعظيم .
والمكر الذي أسند إلى اسم الجلالة مكر مجازي . استعير لفظ المكر لمبادرة الله إياهم باستئصالهم قبل أن يتمكنوا من تبييت صالح وأهله ، وتأخيره استئصالهم إلى الوقت الذي تآمروا فيه على قتل صالح لشَبَه فِعللِ الله ذلك بفعل الماكر في تأجيل فعل إلى وقت الحاجة ، مع عدم إشعار من يُفعل به .
وأُكد مكر الله وعُظّم كما أكد مكرهم وعُظّم ، وذلك بما يناسب جنسه ، فإن عذاب الله لا يدانيه عذاب الناس فعظيمه أعظم من كل ما يقدره الناس .
والمراد بالمكر المسند إلى الجلالة هو ما دلت عليه جملة : { إنا دمرناهم وقومهم أجمعين } الآية .
وفي قوله : { وهم لا يشعرون } تأكيد لاستعارة المكر لتقدير الاستئصال فليس في ذلك ترشيحٌ للاستعارة ولا تجريد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ومكروا مكرا} حين أرادوا قتل صالح، عليه السلام، وأهله، يقول الله تعالى: {ومكرنا مكرا} حين جثم الجبل عليهم {وهم لا يشعرون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح بمصيرهم إليه ليلاً ليقتلوه وأهله، وصالح لا يشعر بذلك "وَمَكَرْنا مَكْرا "يقول: فأخذناهم بعقوبتنا إياهم، وتعجيلنا العذاب لهم "وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" بمكرنا.
وقد بيّنا فيما مضى معنى: مكر الله بمن مكر به، وما وجه ذلك، وأنه أخذه من أخذه منهم على غرّة، أو استدراجه منهم من استدرج على كفره به، ومعصيته إياه، ثم إحلاله العقوبة به على غرّة وغفلة.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{ومكروا مكرا} بهذه المواضعة. {ومكرنا مكرا} بأن جعلناها سببا لإهلاكهم. {وهم لا يشعرون} بذلك..
مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :
مكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح وأهله. ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون..
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ومكروا مكراً} أي ستروا ستراً عظيماً أرادوا به الشر بهذه المساومة على المقاسمة، فكان مكرهم الذي اجتهدوا في ستره لدينا مكشوفاً وفي حضرتنا معروفاً وموصوفاً، فشعرنا بل علمنا به فأبطلناه {ومكرنا مكراً} أي وجزيناهم على فعلهم بما لنا من العظمة شيئاً هو المكر في الحقيقة فإنه لا يعلمه أحد من الخليقة، ولذلك قال: {وهم} أي مع اعتنائهم بالفحص عن الأمور. والتحرز من عظائم المقدور {لا يشعرون} أي لا يتجدد لهم شعور بما قدرناه عليهم بوجه ما، فكيف بغيرهم، وذلك أنا جعلنا تدميرهم في تدبيرهم، فلم يقدروا على إبطاله، فأدخلناهم في خبر كان، لم يفلت منهم إنسان، وأهلكنا جميع الكفرة من قومهم في أماكنهم مساكنهم أو غير مساكنهم... فشتان بين المكرين، وهيهات هيهات لما بين الأمرين..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سمَّى الله تآمرهم مكراً لأنه كان تدبير ضُرّ في خفاءٍ. وأكد مكرهم بالمفعول المطلق للدلالة على قوته في جنس المكر، وتنوينه للتعظيم. والمكر الذي أسند إلى اسم الجلالة مكر مجازي. استعير لفظ المكر لمبادرة الله إياهم باستئصالهم قبل أن يتمكنوا من تبييت صالح وأهله، وتأخيره استئصالهم إلى الوقت الذي تآمروا فيه على قتل صالح لشَبَه فِعلِ الله ذلك بفعل الماكر في تأجيل فعل إلى وقت الحاجة، مع عدم إشعار من يُفعل به. وأُكد مكر الله وعُظّم كما أكد مكرهم وعُظّم، وذلك بما يناسب جنسه، فإن عذاب الله لا يدانيه عذاب الناس فعظيمه أعظم من كل ما يقدره الناس...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
دبروا هذا التدبير الآثم وسماه الله تعالى مكرا، وقد أحكموا التدبير، وأحاطوه بما يضمن التنفيذ بإحكام، ولذا أكدوه بالمفعول المطلق مكرا، والله من ورائهم محيط، ولذا دبر لعبده، وسمى تدبيره الحكيم مكرا من قبيل المشاكلة اللفظية، ولأن المكر هو التدبير، ويكون في الخير والوقاية من الشر، كما يكون في تدبير السوء كما كان منهم، ومكر الله تعالى لإحباط تدبيرهم الخبيث، وهو القضاء على الفساد والمفسدين، وهم لا يشعرون أن الله محبط عملهم، ومبطل تدبيرهم وذلك بالقضاء عليهم قبل أن ينفذوا.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.