الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا وَمَكَرۡنَا مَكۡرٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (50)

ثم قال تعالى : { ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون }[ 52 ] ، أي مكر هؤلاء التسعة بسيرهم إلى صالح ليلا ليقتلوه ، وصالح لا يشعر بذلك . { ومكروا مكرا } أي فأخذناهم بالعقوبة وهم لا يشعرون بمكر الله . فالمعنى : ومكروا مكرا بما عملوه ، ومكرنا مكرا أي جازينهم على مكرهم .

وقيل : مكر الله بهم : إعلامه لصالح ومن آمن به بهلاكهم ، وأمره لهم بالخروج من بين أظهرهم ، ففعلوا ، وأخذ العذاب الكفار دون غيرهم .

وقيل : المكر من الله الإتيان بالعقوبة المستحقة من حيث لا يدري العبد .

وقيل{[52727]} : المكر من الله : أخذه من أخذ منهم على غرة وغفلة .

قال إبراهيم بن عرفة : المكر من المخلوقين هو إظهار غير ما في النفوس ليوقعوا الحملة ، ويبلغوا ما يريدون ، المكر من الله إظهار النظرة وترك العقوبة عاجلا حتى يأخذه على غرة . ألم تسمع إلى قوله : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين }{[52728]} أي أطيل لهم المدة .

روي في خبر صالح مع قومه : " أنهم قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه ، ومن أهله قبل ثلاث . وكان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فخرجوا إلى كهف وقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ففرغنا منهم ، فبعث الله عليهم صخرة من أهضب{[52729]} جبالهم{[52730]} فخشوا أن تشدخهم{[52731]} فبادروا فطبقت الصخرة عليهم في ذلك ، فلا يدري قومهم أين هم ؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم ؟ فعذاب الله هؤلاء هنا ، وهؤلاء هنا ، وأنجى صالحا ومن معه{[52732]} .


[52727]:ابن جرير19/173.
[52728]:الأعراف:182.
[52729]:ابن جرير "الهضب" انظر: 19/174.
[52730]:ابن كثير: "حيالهم" انظر: 5/243.
[52731]:ع: تشد بهم.
[52732]:الكلام مروي عن ابن زيد، انظر: ابن جرير19/173-174، وانظر: ابن كثير 5/243.