{ لَا تَسْمَعُ فِيهَا } أي : الجنة { لَاغِيَةً } أي : كلمة لغو وباطل ، فضلًا عن الكلام المحرم ، بل كلامهم كلام حسن [ نافع ] مشتمل على ذكر الله تعالى ، وذكر نعمه المتواترة عليهم ، و[ على ] الآداب المستحسنة{[1417]} بين المتعاشرين ، الذي يسر القلوب ، ويشرح الصدور .
ثم وصف - سبحانه - هذه الجنة بجملة من الصفات الكريمة فقال : { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } أى : لا تسمع فى هذه الجنة كلمة ذات لغو . واللغو : هو الكلام الساقط الذى لا فائدة فيه . أى : إنك - أيها المخاطب - لا تسمع فى الجنة إلا الكلام الذى تسر له نفسك ، وتقرُّ به عينك ، فلفظ اللاغية هنا : مصدر بمعنى اللغو ، مثل الكاذبة للكذب ، وهو صفة لموصوف محذوف .
وقرأ نافع وحده وابن كثير وأبو عمرو بخلاف عنهما والأعرج وأهل مكة والمدينة «لا تسمع فيها لاغية » أي ذات لغو ، فهي على النسب ، وفسره بعضهم على معنى لا تسمع فيها فئة أو جماعة لاغية ناطقة بسوء . قال أبو عبيدة : { لاغية } ؛ مصدر كالعاقبة والخائنة ، وقرأ الجحدري «لا تُسمع » بضم التاء ، «لاغيةً » بالنصب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : «لا يُسمع » بالياء من تحت مضمومة «لاغيةٌ » بالرفع ، وهي قراءة ابن محيصن وعيسى والجحدري أيضاً . إلا أنه قرأ : [ لاغية ] بالنصب ، على معنى : لا يسمع أحد كلمة لاغية ، من قولك : أسمعت زيدا ، وقرأ الباقون ، ونافع –في رواية خارجة- والحسن ، وأبو رجاء ، وأبو جعفر ، وقتادة وابن سيرين ، وأبو عمرو –بخلاف عنه- : ( لا تسمع ) بفتح التاء [ لاغية ] بالنصب ، والمعنى إما على الكلمة وإما على الفئة ، والفاعل ب [ تسمع ] إما الوجوه ، وإما محمد صلى الله عليه وسلم –قاله الحسن- وإما أنت أيها المخاطب عموما . و " اللغو " سقط القول ، فذلك يجمع الفحش وسائر الكلام السفساف{[11775]} الناقص ، وليس في الجنة نقصان ولا عيب فعل ولا قول ، والحمد لله ولي النعمة .
اللاغية : مصدر بمعنى اللّغو مثل الكاذبة للكذب . والخائنة والعافية ، أي لا يسمع فيها لغو ، أو هو وصف لموصوف مقدر التأنيث ، أي كلمة لاغية لما دل عليه { لاغيةٌ } من أنها كلمات ، ووصف الكلمة بذلك مجاز عقلي لأن اللاغي صاحبها .
ونفي سماع { لاغيةٌ } مكنى به عن انتفاء اللغو في الجنة من باب :
أي لا ضَبّ بها إذ الضب لا يخلو من الإِنجِحَار .
واللغو : الكلام الذي لا فائدة له ، وهذا تنبيه على أن الجنة دار جد وحقيقة فلا كلام فيها إلا لفائدة لأن النفوس فيها تخلصت من النقائص كلها فلا يلذّ لها إلا الحقائق والسمو العقلي والخُلُقي ، ولا ينطقون إلا ما يزيد النفوس تزكية .
وجملة : { لا تسمع فيها لاغية } صفة ثانية ل { جنة } [ الغاشية : 10 ] تُرك عطفها على الصفة التي قبلها لأن النعوت المتعددة يجوز أن تعطف ويجوز أن تفصل دون عطف قال في « التسهيل » : « ويجوز عطف بعض النعوت على بعض وقال المرادي في « شرحه » نحو قوله تعالى : { الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى } [ الأعلى : 2 4 ] . وقال : ولا يعطف إلا بالواو ما لم يكن ترتيب : فبالفاء كقوله :
يا لهفَ زَيَّابَةَ للحارب ال *** صابِح فالغانم فالآيب
قال السهيلي : والعطف ب ( ثم ) جوازه بعيد . اه . قال الدماميني : وكذا في الجمل نحو مررت برجل يحفظ القرآن ويعرف الفقه ويتقي إلى الله ، قال : ونص الواحدي في قوله تعالى : { لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم } [ آل عمران : 118 ] . أن لا يألونكم وما بعده من الجمل ( أي الثلاث ) لا يكون صفات ، لعدم العاطف لكن ظاهر سكوت الجمهور عن وجوب العطف يشعر بجوازه فيها ( أي الجمل ) كالمفردات اه .
ابتدىء في تعداد صفات الجنة بصفتها الذاتية وهو كونها عالية ، وثُني بصفة تنزيهها عمّا يعدّ من نقائص مجامع الناس ومساكن الجماعات وهو الغوغاء واللغو ، وقد جردت هذه الجملة من أن تعطف على { عالية } [ الغاشية : 10 ] مراعاة لعدم التناسب بين المفردات والجمل وذلك حقيق بعدم العطف لأنه أشد من كمال الانقطاع في عطف الجمل .
وقرأ نافع { لا تسُمع } بمثناة فوقية مضمومة و { لاغيةُ } نائب فاعل ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بمثناة تحتية مضمومة وبرفع { لاغيةٌ } أيضاً فأُجري الفعل على التذكير لأن { لاغيةٌ } ليس حقيقي التأنيث وحسَّنه وقوع الفصل بين الفعل وبين المسند إليه ، وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وروْح عن يعقوب بفتح المثناة الفوقية وبنصب { لاغيةٌ } ، والتاء لخطاب غير المعين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.