{ 62-66 } { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ }
هذا إخبار من اللّه تعالى ، عما يسأل عنه الخلائق يوم القيامة ، وأنه يسألهم عن أصول الأشياء ، وعن عبادة اللّه وإجابة رسله ، فقال : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } أي : ينادي من أشركوا به شركاء يعبدونهم ، ويرجون نفعهم ، ودفع الضرر عنهم ، فيناديهم ، ليبين لهم عجزها وضلالهم ، { فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ } وليس للّه شريك ، ولكن ذلك بحسب زعمهم وافترائهم ، ولهذا قال : { الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } فأين هم ، بذواتهم ، وأين نفعهم وأين دفعهم ؟
ومن المعلوم أنه{[610]} يتبين لهم في تلك الحال ، أن الذي عبدوه ، ورجوه باطل ، مضمحل في ذاته ، وما رجوا منه ، فيقرون على أنفسهم بالضلالة والغواية .
ثم حكى - سبحانه - جانبا من أقوال المشركين يوم القيامة ، ومن أحوالهم السيئة ، ورد أمرهم وأمر غيرهم إليه وحده - عز وجل- فقال : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ . . . } .
الظرف فى قوله - سبحانه - : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } منصوب بفعل مقدر ، ونداؤهم نداء إهانة وتحفير . والنداء صادر عن الله - تعالى - .
أى : واذكر - أيها المخاطب - لتتعظ وتعتبر ، حال أولئك الظالمين ، يوم يناديهم الله - تعالى - فيقول لهم : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } أى : أين شركائى الذين كنتم فى الدنيا تزعمونهم شركائى ، لكى ينصروكم أو يدفعوا عنكم العذاب .
فمفعولا { تَزْعُمُونَ } محذوفان ، لدلالة الكلام عليهما . والمقصود بهذا الاستهفام { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } الخزى والفضيحة ، إذ من المعلوم أنه لا شركاء لله - تعالى - لا فى ذاته ولا فى صفاته .
تخلص من إثبات بعثة الرسل وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى إبطال الشركاء لله ، فالجملة معطوفة على جملة { أفمن وعدناه وعداً حسناً } [ القصص : 61 ] مفيدة سبب كونهم من المحضرين ، أي لأنهم اتخذوا من دون الله شركاء ، وزعموا أنهم يشفعون لهم فإذا هم لا يجدونهم يوم يحضرون للعذاب ، فلك أن تجعل مبدأ الجملة قوله { يناديهم } فيكون عطفاً على جملة { ثم هو يوم القيامة من المحضرين } [ القصص : 61 ] أي يحضرون و { يناديهم فيقول : أين شركائي } الخ . ولك أن تجعل مبدأ الجملة قوله { يوم يناديهم } . ولك أن تجعله عطف مفردات فيكون { يوم يناديهم } عطفاً على { يوم القيامة من المحضرين } [ القصص : 61 ] فيكون { يوم يناديهم } عين { يوم القيامة } وكان حقه أن يأتي بدلاً من { يوم القيامة } لكنه عدل عن الإبدال إلى العطف لاختلاف حال ذلك اليوم باختلاف العنوان ، فنزل منزلة يوم مغاير زيادة في تهويل ذلك اليوم .
ولك أن تجعل { يوم يناديهم } منصوباً بفعل مقدر بعد واو العطف بتقدير : اذكر ، أو بتقدير فعل دل عليه معنى النداء . واستفهام التوبيخ من حصول أمر فظيع ، تقديره : يوم يناديهم يكون ما لا يوصف من الرعب .
وضمير { يناديهم } المرفوع عائد إلى الله تعالى . وضمير الجمع المنصوب عائد إلى المتحدث عنهم في الآيات السابقة ابتداء من قوله { وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } [ القصص : 57 ] فالمنادون جميع المشركين كما اقتضاه قوله تعالى { أين شركائي الذين كنتم تزعمون } .
والاستفهام بكلمة { أين } ظاهره استفهام عن المكان الذي يوجد فيه الشركاء ولكنه مستعمل كناية عن انتفاء وجود الشركاء المزعومين يومئذ ، فالاستفهام مستعمل في الانتفاء .
ومفعولا { تزعمون } محذوفان دل عليهما { شركائي الذين كنتم تزعمون } أي تزعمونهم شركائي ، وهذا الحذف اختصار وهو جائز في مفعولي ( ظن ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويوم يناديهم} يعني: كفار مكة {فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} في الدنيا أن معي شريكا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ويوم ينادي ربّ العزّة الذين أشركوا به الأنداد والأوثان في الدنيا، فيقول لهم:"أيْنَ شُرَكائِيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ" أنهم لي في الدنيا شركاء؟
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{شركائي الذين} في زعمكم أنهم شركائي حين أشركتموهم في العبادة وتسمية الألوهية. وإلا لم يكن لله شريك {فيقول أين شركائي الذين} زعمتم أنهم شركائي؟ ثم قوله: {أين شركائي} إنما يقول لهم لقولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] وقولهم: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] فيقول: أين شفاعة من زعمتم أنهم شفعاؤكم عند الله؟ وأين قربتكم وزلفاكم بعبادتكم إياها زعمتم أن عبادتكم إياها تقربكم إلى الله زلفى؟ أين ذلك لكم منهم؟
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وتقديره: واذكر يوم ينادي الله الكفار، وهو يوم القيامة "فيقول "لهم على وجه التوبيخ لهم والتقريع "أين الذين" اتخذتموهم شركائي فعبدتموهم معي على قولكم وزعمكم.
لما ثبت أن الكفار يوم القيامة قد عرفوا بطلان ما كانوا عليه وعرفوا صحة التوحيد والنبوة بالضرورة فيقول لهم أين ما كنتم تعبدونه وتجعلونه شريكا في العبادة وتزعمون أنه يشفع؟ أين هو لينصركم ويخلصكم من هذا الذي نزل بكم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان اليوم وإن كان واحداً يتعدد بتعدد أوصافه، بما يقع في أثنائه وأضعافه، على يوم القيامة تهويلاً لأمره، وتعظيماً لخطره وشره، قوله مقرراً لعجز العباد، عن شيء من الإباء في يوم العباد: {ويوم يناديهم} أي ينادي الله هؤلاء الذين يغرون بين الناس ويصدون عن السبيل، ويتعللون في أمر الإيمان، وتوحيد المحسن الديان {فيقول} أي الله: {أين شركاءي} أي من الأوثان وغيرهم؛ ثم بين أنهم لا يستحقون هذا الاسم بقوله: {الذين كنتم} أي كوناً أنتم عريقون فيه {تزعمون} ليدفعوا عنكم أو عن أنفسهم.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
بعد أن ذكر أن التمتع بزينة الدنيا وزخرفها دون طاعة الله وعظيم شكره على نعمه -يكون وبالا على الكافر يوم القيامة حين يحضر للعذاب- أردف ذلك بيان ما يحصل في هذا اليوم من الإهانة والتقريع للمشركين حين يسألهم سؤالات يحارون في الجواب عنها، ويشتد عليهم الخطب حين لا يجدون مخلصا ومعذرة تبرر لهم ما كانوا يقترفون، فيسألهم أولا عن الآلهة التي كانوا يعبدونها في الدنيا من أصنام وأوثان، هل ينصرونهم أو ينتصرون؟
... وهذا السؤال للإهانة والتحقير، لأنهم عرفوا بطلان ما كانوا يفعلون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تخلص من إثبات بعثة الرسل وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى إبطال الشركاء لله، فالجملة معطوفة على جملة {أفمن وعدناه وعداً حسناً} [القصص: 61] مفيدة سبب كونهم من المحضرين، أي لأنهم اتخذوا من دون الله شركاء، وزعموا أنهم يشفعون لهم فإذا هم لا يجدونهم يوم يحضرون للعذاب...
{يوم يناديهم} عينُ {يوم القيامة} وكان حقه أن يأتي بدلاً من {يوم القيامة} لكنه عدل عن الإبدال إلى العطف لاختلاف حال ذلك اليوم باختلاف العنوان، فنُزِّل منزلة يوم مغاير زيادة في تهويل ذلك اليوم.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
والمتبادر أن الآيات في جملتها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والفزع في نفوس الكفار من المصير الرهيب الذي سوف يصيرون إليه، والحرج الشديد الذي سوف يواجهونه يوم القيامة، وحملهم على الارعواء والتوبة إلى الله تعالى، وهم في متسع من الوقت حتى يضمنوا لأنفسهم النجاح والفلاح في ذلك اليوم، وهذا مما ظل يتكرر في مختلف المواقف والمناسبات على اعتبار أنه الهدف الجوهري من الرسالة النبوية.