{ ذِي قُوَّةٍ } كقوله { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ [ فَاسْتَوَى ]{[29792]} } [ النجم : 5 ، 6 ] ، أي : شديد الخَلْق ، شديد البطش والفعل ، { عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } أي : له مكانة عند الله عز وجل ومنزلة رفيعة .
قال أبو صالح في قوله : { عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } قال : جبريل يدخل في سبعين حجابا من نور بغير إذن ،
والوصفان الثاني والثالث : { ذي قوة عند ذي العرش مكين } . فالقوة حقيقتها مقدرة الذات على الأعمال العظيمة التي لا يَقدر عليها غالباً . ومن أوصافه تعالى : « القوي » ، ومنها مقدرة الذات من إنسان أو حيوان على كثير من الأعمال التي لا يقدر عليها أبناء نوعه .
وضدها الضعف قال تعالى : { اللَّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة } [ الروم : 54 ] .
وتطلق القوة مجازاً على ثبات النفس على مرادها والإِقدام ورباطة الجأش ، قال تعالى : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } [ مريم : 12 ] وقال : { خذوا ما آتيناكم بقوة } [ البقرة : 63 ] ، فوصف جبريل ب { ذي قوة } يجوز أن يكون شدة المقدرة كما وصف بذلك في قوله تعالى : { ذو مرة } [ النجم : 6 ] ، ويجوز أن يكون في القوة المجازية وهي الثبات في أداء ما أرسل به كقوله تعالى : { علمه شديد القوى } [ النجم : 5 ] لأنّ المناسب للتعليم هو قوة النفس ، وأما إذا كان المراد محمد صلى الله عليه وسلم فوصفه ب { ذي قوة عند ذي العرش } يراد بها المعنى المجازي وهو الكرامة والاستجابة له .
والمكين : فعيل ، صفة مشبهة من مكُن بضم الكاف مكانة ، إذا علت رتبته عند غيره ، قال تعالى في قصة يوسف مع المِلك : { فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } [ يوسف : 54 ] .
وتوسيط قوله : { عند ذي العرش } بين { ذي قوة } و { مكين } ليتنازعه كلا الوصفين على وجه الإيجاز ، أي هو ذو قوة عند الله ، أي جعل الله مقدرة جبريل تخوِّله أن يقوم بعظيم ما يوكله الله به مما يحتاج إلى قوة القدرة وقوة التدبير ، وهو ذو مكانة عند الله وزلفى .
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على نحو ما تقدم .
والعندية عندية تعظيم ، وعناية ، ف ( عند ) للمكان المجازي الذي هو بمعنى الاختصاص والزُلفى . 4
وعُدل عن اسم الجلالة إلى { ذي العرش } بالنسبة إلى جبريل لتمثيل حال جبريل ومكانته عند الله بحالة الأمير الماضي في تنفيذ أمر الملك وهو بمحل الكرامة لديه .
وأما بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فللإِشارة إلى عظيم شأنه إذ كان ذا قوة عند أعظم موجود شأناً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ذي قوة} يعني ذا بطش... {عند ذي العرش مكين} جبريل، عليه السلام، يقول: وهو وجيه عند الله عز وجل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ذي قوّة، يعني جبرائيل على ما كلف من أمر غير عاجز" عندَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ "يقول: هو مكينٌ عند ربّ العرش العظيم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
إحداهما: ما ذكرنا أن فيه بيان الآمن من تغيير، يقع فيه من الأعداء من الجن والإنس والشياطين، والإنس يحتجز عنهم بقوته، فلا يتمكنون منه حتى يغيروه، ويبدلوه. ووصفه بالأمانة في نفسه ليأمن الخلق ناحيته.
والثانية: وصفه بالقوة على التخويف والتحذير للذين عادوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فيخبرهم أنه معه يدفع عنه شرهم وكيدهم إن هموا بذلك به... وليس بنا إلى تعرف قوته حاجة، وإنما بنا الحاجة إلى أن نعرف ما المعنى والحكمة في ذكر قوته؟
وقوله تعالى: {عند ذي العرش مكين} فإن كان المراد من العرش الملك فمعناه: عند ذي الملك مكين، أي ذو قدرة ومنزلة...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ذِي قُوَّةٍ} كقوله تعالى: {شَدِيدُ القوى ذُو مِرَّةٍ} [النجم: 5 -6] لما كانت حال المكانة على حسب حال الممكن، قال: {عِندَ ذِي العرش} ليدل على عظم منزلته ومكانته...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم وصفه بقوة منحه الله إياها،...
ومنهم من حمله على القوة في أداء طاعة الله وترك الإخلال بها من أول الخلق إلى آخر زمان التكليف، وعلى القوة في معرفة الله وفي مطالعة جلال الله...
قوله تعالى: {عند ذي العرش مكين} وهذه العندية ليست عندية المكان، مثل قوله: {ومن عنده لا يستكبرون} وليست عندية الجهة... بل عندية الإكرام والتشريف والتعظيم.
وأما {مكين} فقال الكسائي: يقال قد مكن فلان عند فلان -بضم الكاف- مكنا ومكانة، فعلى هذا المكين هو ذو الجاه الذي يعطى ما يسأل...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ذي قوة} أي على ضبط- ما أرسل به بنفسه وعلى المدافعة للغير عن أن يدخل فيه شيئاً من نقص، وأكد القوة بقوله: {عند ذي العرش} أي الملك الأعلى المحيط عرشه بجميع الأكوان الذي لا عندية في الحقيقة إلا له {مكين} أي بالغ المكنة عنده عظيم المنزلة جداً بليغ فيها فهو بحيث لا يتأتى منه تفريط ما في إبلاغ شيء مما أرسل به لأنه لا يغيره الأحوال ولا يعمل فيه تضاد الشهوات، لأنه لا شهوة له إلاّ ما يأمر به مرسله سبحانه وتعالى...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والوصفان الثاني والثالث: {ذي قوة عند ذي العرش مكين}. فالقوة حقيقتها مقدرة الذات على الأعمال العظيمة التي لا يَقدر عليها غالباً. ومن أوصافه تعالى: « القوي»، ومنها مقدرة الذات من إنسان أو حيوان على كثير من الأعمال التي لا يقدر عليها أبناء نوعه. وضدها الضعف قال تعالى: {اللَّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة} [الروم: 54]. وتطلق القوة مجازاً على ثبات النفس على مرادها والإِقدام ورباطة الجأش، قال تعالى: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} [مريم: 12] وقال: {خذوا ما آتيناكم بقوة} [البقرة: 63]، فوصف جبريل ب {ذي قوة} يجوز أن يكون شدة المقدرة كما وصف بذلك في قوله تعالى: {ذو مرة} [النجم: 6]، ويجوز أن يكون في القوة المجازية وهي الثبات في أداء ما أرسل به كقوله تعالى: {علمه شديد القوى} [النجم: 5] لأنّ المناسب للتعليم هو قوة النفس، وأما إذا كان المراد محمد صلى الله عليه وسلم فوصفه ب {ذي قوة عند ذي العرش} يراد بها المعنى المجازي وهو الكرامة والاستجابة له. والمكين: فعيل، صفة مشبهة من مكُن بضم الكاف مكانة، إذا علت رتبته عند غيره، قال تعالى في قصة يوسف مع المِلك: {فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} [يوسف: 54]. وتوسيط قوله: {عند ذي العرش} بين {ذي قوة} و {مكين} ليتنازعه كلا الوصفين على وجه الإيجاز، أي هو ذو قوة عند الله، أي جعل الله مقدرة جبريل تخوِّله أن يقوم بعظيم ما يوكله الله به مما يحتاج إلى قوة القدرة وقوة التدبير، وهو ذو مكانة عند الله وزلفى. ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على نحو ما تقدم. والعندية عندية تعظيم، وعناية، ف (عند) للمكان المجازي الذي هو بمعنى الاختصاص والزُلفى. 4 وعُدل عن اسم الجلالة إلى {ذي العرش} بالنسبة إلى جبريل لتمثيل حال جبريل ومكانته عند الله بحالة الأمير الماضي في تنفيذ أمر الملك وهو بمحل الكرامة لديه. وأما بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فللإِشارة إلى عظيم شأنه إذ كان ذا قوة عند أعظم موجود شأناً...