{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وهو : جبريل عليه السلام ، نزل به من الله تعالى ، كما قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } ووصفه الله بالكريم لكرم أخلاقه ، وكثره خصاله الحميدة ، فإنه أفضل الملائكة ، وأعظمهم رتبة عند ربه ،
{ إنه } أى : القرآن الكريم { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وهو جبريل - عليه السلام - الذى أرسله ربه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لكى يبلغه وحيه - تعالى -
وأقسم الله - تعالى - بهذه الأشياء ، لأنها فى حركاتها المختلفة ، من ظهور وأفول ، ومن إقبال وإدبار . . تدل دلالة ظاهرة على قدرة الله - تعالى - ، وعلى بديع صنعه فى خلقه .
ونسب - سبحانه - القول إلى الرسول - وهو جبريل - لأنه هو الواسطة فى تبليغ الوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم .
ثم وصف - سبحانه - أمين وحيه جبريل بخمس صفات : أولها : قوله { كريم } أى : ملك شريف ، حسن الخلق ، بهى المنظر ،
وضمير { إنه } عائد إلى القرآن ولم يسبق له ذكر ولكنه معلوم من المقام في سياق الإخبار بوقوع البعث فإنه مما أخبرهم به القرآن وكذبوا بالقرآن لأجل ذلك .
والرسول الكريم يجوز أن يراد به جبريل عليه السلام ، وصف جبريل برسول لأنه مرسل من الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن .
وإضافة « قول » إلى { رسول } إما لأدنى ملابسة لأن جبريل يبلغ ألفاظ القرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحكيها كما أمره الله تعالى فهو قائلها ، أي صادرة منه ألفاظها .
وفي التعبير عن جبريل بوصف { رسول } إيماء إلى أن القول الذي يبلغه هو رسالة من الله مأمور بإبلاغها كما هي .
قال ابن عطية : وقال آخرون الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم في الآية كلها اه . ولم يُعين اسم أحد ممن قالوا هذا من المفسرين .
واستُطرد في خلال الثناء على القرآن الثناءُ على المَلَك المرسل به تنويهاً بالقرآن فإجراء أوصاف الثناء على { رسول } للتنويه به أيضاً ، وللكناية على أن ما نزل به صِدق لأن كمال القائل يدل على صدق القول .
ووُصِفَ { رسول } بخمسة أوصاف :
الأول : { كريم } وهو النفيس في نوعه . والوصفان الثاني والثالث : { ذي قوة عند ذي العرش مكين } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فأقسم الله تعالى بهؤلاء الآيات أن هذا القرآن {إنه لقول رسول كريم} على الله، يعني جبريل، عليه السلام، هو علّم محمدا صلى الله عليه وسلم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن هذا القرآن لتنزيل رسول كريم، يعني جبريل، نزله على محمد بن عبد الله...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إنه لقول رسول كريم} أي هذا الذي أتاكم به محمد صلى الله عليه وسلم تلقاه عن رسول كريم على ربه، وهو جبرائيل عليه السلام ثم نسب ههنا إلى الرسول ما سمع منه، ولم يكن من قبله...
ولكن نسب إليه لأن ابتداءه يرجع إليه...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «الرسول الكريم» في قول جمهور المتأولين: جبريل عليه السلام، وقال آخرون: هو محمد عليه السلام في الآية، والقول الأول أصح، و {كريم} في هذه الآية يقتضي رفع المذام...
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
قال السهيلي: لا يجوز أن يقال: إنه محمد عليه السلام لأن الآية نزلت في الرد على الذين قالوا إن محمدا قال: القرآن، فكيف يخبر الله أنه قوله، وإنما أراد جبريل وأضاف القرآن إليه لأنه جاء به، وهو في الحقيقة قول الله تعالى وهذا الذي قال السهيلي: لا يلزم فإنه قد يضاف إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه تلقاه عن جبريل عليه السلام وجاء به إلى الناس ومع ذلك فالأظهر أنه جبريل لأنه وصفه بقوله: {ذي قوة} وقد وصف جبريل بهذا لقوله" شديد القوى ذو مرة"...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إنه} أي هذا الذكر الذي تقدم في عبس بعض ما يستحق من الأوصاف الجميلة والنعوت الجليلة {لقول رسول} وهو جبريل عليه الصلاة والسلام نحن أرسلناه به إلى خير خلقنا وجعلناه بريداً بيننا وبينه لاقتضاء الحكمة ذلك، وهي أن يكون خلاصة الخلق ذا جهتين: واحدة ملكية يتلقى بها من الملائكة عليهم السلام لكون غيره من البشر لا يطيق ذلك، وأخرى بشرية يتلقى بها من المبعوث إليهم، ومن المعلوم أن الرسول إنما وظيفته تبليغ ما أرسل به فهو سفير محض، والذي أوحاه وإن كان قوله لكونه نطق به وبلغه من غير مشاركة شيطان ولا غيره هو قول الله من غير شك لكونه معبراً عن الصفة القديمة النفسية، ولو كان قول الرسول مستقلاً به- لما كان لوصفه بالرسالة مدخل فما كانت البلاغة تقتضي ذكره بالوصف. ولما بين بوصف الرسالة أنه ليس بقوله إلا لكونه مرسلاً به ومبلغاً له، وأنه في الحقيقة قول من أرسله، وصفه بما أفهمه الوصف مما يوجب حفظه من غير تحريف ما ولا تغيير أصلاً بوجه من الوجوه، وذلك ببيان منزلته عند الله ووجاهته وبيان قدره ونفوذ كلمته فقال: {كريم} أي انتفت عنه وجوه المذام كلها وثبتت له وجوه المحامد كلها، فهو جواد شريف النفس ظاهر عليه معالي الأخلاق بريء من أن يلم شيء من اللوم- بساحته، فلذلك هو يفيض الخيرات بإذن ربه على من أمر به من العالمين، فيؤدي ما أرسل به كما هو لقيامه بالرسالة قيام الكرام فلم يغير فيها شيئاً أصلاً ولا فرط حتى يمكن غيره أن يحرف أو يغير، والكرم اجتماع كمالات الشيء اللائقة به...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين).. إن هذا القرآن، وهذا الوصف لليوم الآخر.. لقول رسول كريم.. وهو جبريل الذي حمل هذا القول وأبلغه.. فصار قوله باعتبار تبليغه...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وضمير {إنه} عائد إلى القرآن ولم يسبق له ذكر ولكنه معلوم من المقام في سياق الإخبار بوقوع البعث فإنه مما أخبرهم به القرآن وكذبوا بالقرآن لأجل ذلك...
لأدنى ملابسة لأن جبريل يبلغ ألفاظ القرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحكيها كما أمره الله تعالى فهو قائلها، أي صادرة منه ألفاظها. وفي التعبير عن جبريل بوصف {رسول} إيماء إلى أن القول الذي يبلغه هو رسالة من الله مأمور بإبلاغها كما هي...
واستُطرد في خلال الثناء على القرآن الثناءُ على المَلَك المرسل به تنويهاً بالقرآن فإجراء أوصاف الثناء على {رسول} للتنويه به أيضاً، وللكناية على أن ما نزل به صِدق لأن كمال القائل يدل على صدق القول. ووُصِفَ {رسول} بخمسة أوصاف: الأول: {كريم} وهو النفيس في نوعه...
لم يبدأ بالكلام عن ذات الحق سبحانه وتعالى هنا؛ لأن مسألة الحق قضية منتهية، كأنها أصل فطري، فإن نشأ خلاف فيجب ألا يكون في القمة، فالخلاف الذي قد ينشأ فيكون في الوسائط التي تبلّغ عن الله عز وجل فقط، أما الله عز وجل فحقيقة فطرية لا يمكن للعقل أن يتوقف فيها، وأما ما قد يتوقف فيه في الدين فهي تلك الوسائط التي يصلنا بها هذا المنهج.
فتكلم عن الوسيط الأول فقال: {إنه لقول رسول كريم} أي المنهج الذي نزل به القرآن {لقول رسول كريم} مع أنه قول الله سبحانه وتعالى، فمرة ينسبه إلى جبريل عليه السلام، كما جاء هنا في قوله: {إنّه لقول رسول كريم} ومرة أخرى ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال: {إنّه لقول رسولٍ كريم (40) وما هو بقول شاعر (41)} [الحاقة]. فالحدث الواحد إذا كان يمر بمراحل متعددة، فينسب مرة إلى المصدر الأصيل منكم، ومرة ينسب إلى الواسطة الأولى، ومرة ينسب إلى الله سبحانه وتعالى.
إذن فكلمة: {رسول كريم} توحي بأن الرسول هو الواسطة في التبليغ بين مرسل ومرسل إليه، فالمرسل إليه لا رأي له في الرسول الذي يبلغ، إنما الرأي لمن جاء منه ذلك البلاغ، فما دام هو رسوله فيجب أن يكون باختياره هو، كما قد قال الله عز وجل: {الله أعلم حيث يجعل رسالته (124)} [الأنعام]. فيكفيكم أن تعلموا أنه صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله عز وجل، ومادام رسولاً من عند الله عز وجل فالله يعلم حيث يجعل رسالته، فهو صلى الله عليه وسلم مختار مصنوع على عينه.
ثم وصفه بأنه كريم؛ وذلك لأن الكرم عندنا في التصوير البشري: ملكة في النفس يصدر عنها السخاء، والسخاء فوق المطلوب، فلا يقال لمن يؤدي حق الله في ماله: إنه كريم، ولكن يقال له: هو مؤد لركن من أركان الإسلام، إنما الذي يؤدي فوق ما طلب منه فهذا هو الكريم.
فقوله: {إنّه لقول رسول كريم} أي: يؤدي فوق ما طلب منه، فكيف بما طلب منه، هذه هي صفة الكرم، وهي مع كل صفات التطوع في النفس البشرية الخارجة عن نطاق التكليف تدل في صاحبها على عشقه الأمر الذي كلف به، فالذي يتطوع بصلاة فوق الصلوات الخمس لم يتطوع بها إلا لأنه أحب وعشق التكليف بهؤلاء الخمس، فلو أنه شعر بمشقة في التكليف بهذه الخمس ما تطوع بغيرها.
ولكن كلمة {كريم} هنا لا تعني أنه قد أتى بشيء زائد عما طلب منه، بل إنه أراد أن يثبت له أنه عاشق لأداء ما وكل به، وأنه إن كان على مقاييسكم أنتم فإنه يكون كريماً ومؤدياً أكثر مما طلب منه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الجواب موجّه لمن اتّهم النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم) باختلاق القرآن ونسبته إلى الباري جلّ شأنه. وقد تناولت وما بعدها خمسة أوصاف لأمين وحي اللّه جبرائيل (عليه السلام)، وهي الأوصاف التي ينبغي توفرها في كلّ رسول جامع لشرائط الرسالة... فالصفة الأولى: إنّه «كريم»: إشارة إلى علو مرتبته وجلالة شأنه...