وقوله { إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ } استثناء من القوم المجرمين الذين أرسل الملائكة لإِهلاكهم .
والمراد بآل لوط : أتباعه الذين آمنوا به وصدقوه . ولم يشاركوا قومهم في كفرهم وشذوذهم .
أى : إنا أرسلنا إلى قوم لوط لإِهلاكهم ، إلا من آمن منهم فإنا لمنجوهم أجمعين .
وقد وضح هذا المعنى صاحب الكشاف فقال : فإن قلت : قوله - تعالى - { إِلاَّ آلَ لُوطٍ } استثناء متصل أم منقطع ؟
قلت : لا يخلو من أن يكون استثناء من قوم فيكون منقطعاً ، لأن القوم موصوفون بالإِجرام فاختلف لذلك الجنسان ، وأن يكون استثناء من الضمير في { مجرمين } فيكون متصلاً ، كأنه قيل : قد أرسلنا إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم ، كما قال : { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ المسلمين } فإن قلت : فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين ؟ قلت : نعم ، وذلك أن آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإِرسال ، وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة ، ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً . . . كأنه قيل : إنا أهلكنا قوما مجرمين ، ولكن آل لوط أنجيناهم .
وأما في المتصل ، فهم داخلون في حكم الإِرسال ، وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعًا ليهلكوا هؤلاء ، وينجو هؤلاء ، فلا يكون الإِرسال مخلصًا بمعنى الإِهلاك والتعذيب كما في الوجه الأول . . .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُواْ إِنّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىَ قَوْمٍ مّجْرِمِينَ * إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدّرْنَآ إِنّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال إبراهيم للملائكة : فما شأنكم ؟ ما أمَرُكم أيّها المرسلون ؟ قالت الملائكة له : إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يقول : إلى قوم قد اكتسبوا الكفر بالله . إلا آلَ لُوطٍ يقول : إلا أتباع لوط على ما هو عليه من الدّين ، فإنا لن نهلكهم بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نعذّب به قوم لوط ، سوى امرأة لوط قَدّرْنا إنها مِنَ الغَابِرِينَ يقول : قضى الله فيها إنها لمن الباقين ثم هي مهلكة بعد . وقد بيّنا الغابر فيما مضى بشواهده .
{ إلا آل لوط } إن كان استثناء من { قوم } كان منقطعا إذ ال { قوم } مقيد بالإجراء وإن كان استثناء من الضمير في { مجرمين } كان متصلا ، والقوم والإرسال شاملين للمجرمين ، و{ آل لوط } المؤمنين به وكأن المعنى : إنا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط منهم لنهلك المجرمين وننجي آل لوط منهم ، ويدل عليه قوله : { إنا لمنجّوهم أجمعين } أي مما يعذب به القوم ، وهو استئناف إذا اتصل الاستثناء ومتصل بآل لوط جار مجرى خبر لكن إذا انقطع وعلى هذا جاز أن يكون قوله : { إلا امرأته } .
جملة { إنا لمنجوهم أجمعين } استئناف بياني لبيان الإجمال الذي في استثناء آل لوط من متعلق فعل { أرسلنا } لدفع احتمال أنهم لم يرسلوا إليهم ولا أمروا بإنجائهم .
وفي قوله : { أرسلنا إلى قوم مجرمين } إيجاز حذف . وتقدير الكلام : إنا أرسلنا إلى لوط لأجل قوم مجرمين ، أي لعذابهم . ودل على ذلك الاستثناء في { إلا آل لوط } .
وقرأ الجمهور { لمنجوهم } بفتح النون وتشديد الجيم مضارع نجّى المضاعف . وقرأه حمزة والكسائي وخلف بسكون النون وتخفيف الجيم مضارع أنجى المهموز .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 57]
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة: فما شأنكم؟ ما أمَرُكم أيّها المرسلون؟ قالت الملائكة له:"إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ" يقول: إلى قوم قد اكتسبوا الكفر بالله. "إلا آلَ لُوطٍ "يقول: إلا أتباع لوط على ما هو عليه من الدّين، فإنا لن نهلكهم بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نعذّب به قوم لوط، سوى امرأة لوط "قَدّرْنا إنها مِنَ الغَابِرِينَ" يقول: قضى الله فيها إنها لمن الباقين ثم هي مهلكة بعد.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إلا آل لوط} كأن الثنيا ههنا تكون عن الأشخاص وأنفس أهل القرية لا عن قوله {قوم مجرمين} لأن آل لوط لم يكونوا مجرمين، فلا يحتمل الاستثناء من ذلك. أو لا يكون على حقيقة الثُنيَا، وإن كان في الخبر استثناء.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت قوله تعالى: {إِلا ءالَ لُوطٍ} استثناء متصل أو منقطع؟ قلت، لا يخلو من أن يكون استثناء من قوم، فيكون منقطعاً؛ لأنّ القوم موصوفون بالإجرام، فاختلف لذلك الجنسان وأن يكون استثناء من الضمير في مجرمين، فيكون متصلاً، كأنه قيل: إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم، كما قال {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين} [الذاريات: 36].
فإن قلت: فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين؟ قلت: نعم، وذلك أنّ آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال، وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة، ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً. ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين، كإرسال الحجر أو السهم إلى المرميّ. في أنه في معنى التعذيب والإهلاك، كأنه قيل: إنا أهلكنا قوماً مجرمين، ولكن آل لوط أنجيناهم. وأمّا في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال، وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء، فلا يكون الإرسال مخلصاً بمعنى الإهلاك والتعذيب كما في الوجه الأوّل.
فإن قلت: فقوله {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} بم يتعلق على الوجهين؟ قلت: إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر «لكنّ» في الاتصال بآل لوط، لأنّ المعنى. لكن آل لوط منجون، وإذا اتصل كان كلاماً مستأنفاً، كأنّ إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط، فقالوا: إنا لمنجوهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان إرسالهم للعذاب، قالوا مستثنين من الضمير في {مجرمين} أي قد أجرموا كلهم إجراماً عظيماً {إلا آل لوط} فاستثنوهم من أن يكونوا مجرمين، المستلزم لكونهم ما أرسلوا لتعذيبهم، فكان ذلك محركاً للنفس إلى السؤال عن حالهم، فإنهم ممن وقع الإرسال بسببه، فأجابوا بقولهم: {إنا لمنجوهم} أي تنجية عظيمة بتدريج الأسباب على العادة {أجمعين إلا امرأته}.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {إنا لمنجوهم أجمعين} استئناف بياني لبيان الإجمال الذي في استثناء آل لوط من متعلق فعل {أرسلنا} لدفع احتمال أنهم لم يرسلوا إليهم ولا أمروا بإنجائهم. وفي قوله: {أرسلنا إلى قوم مجرمين} إيجاز حذف. وتقدير الكلام: إنا أرسلنا إلى لوط لأجل قوم مجرمين، أي لعذابهم. ودل على ذلك الاستثناء في {إلا آل لوط}.
وهذا استثناء لآل لوط من المجرمين. والمجرم هو المنقطع عن الحق، والجريمة هي الانقطاع عن الحق لانتصار الباطل، غلب اسم القوم على الجماعة المجرمين، وهكذا كان الاستثناء من هؤلاء المجرمين. الذين أجرموا في حق منهج الله، والقيم التي نادى بها لوط عليه السلام. وهكذا كان الإرسال للإنجاء لمن آمن والإهلاك لمن أعرض ونأى بجانبه في مهمة واحدة.