اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (59)

قوله " إلا آل لُوطٍ " فيه وجهان :

أحدهما : أنه استثناء متصل على أنه مسثنى من الضمير المستكن في : " مُجرمِينَ " بمعنى أجرموا كلهم إلاَّ آل لوطٍ ؛ فإنَّهم لم يجرموا ، ويكون قولهم " إنَّا لمنجوهم " استئناف إخبار بنجاتهم ، لكنهم لم يجرموا{[19578]} ولكن الإرسال حينئذ شاملاً للمجرمين ولآل لوط لإهلاك أولئك وإنجاء هؤلاء .

والثاني : أنه اسثناء منقطع ؛ لأن آل لوط لم يندرجوا في المجرمين ألبتَّة .

قال أبو حيان : وإذا كان استثناء منقطعاً ، فهو مما يجبُ فيه النصب ؛ لأنه من الاستثناء الذي لا يمكن توجيه العامل إلى المستثنى منه ؛ لأنهم لم يرسلوا إليهم ، إنما أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصَّة ، ويكون قوله : " إنَّا لمُنجَّوهُمْ " جَرَى مَجْرى خبر لكن في اتِّصاله ب " آل لوطٍ " ؛ لأن المعنى : لكنَّ آل لوط منجوهم ، وقد زعم بعض النحويين في الاستثناء المنقطع المقدَّر بلكن ، إذ لم يكن بعده ما يصحُّ أن يكون خبراً : أنَّ الخبر محذوف ، وأنه في موضع رفع لجريان : " إلاَّ " ، وتقديرها ب " لَكِن " .

قال شهابُ الدِّين{[19579]} : " وفيه نظرٌ ؛ لأن قوله لا يتوجه إليه العامل أي : لا يمكن ، نحو : ضحك القوم إلا حمارهم ، وصهلت الخيلُ إلا الإبل . وأمَّا هذا ، فيمكن الإرسال إليهم من غير منع ، وأمَّا قوله : لأنهم لم يرسلوا إليهم فصحيح ؛ لأنَّ حكم الاستثناء كلَّه هكذا ، وهو أن يكون خارجاً عمَّا حكم به على الأوَّل ، لكنَّه لو سلط عليه لصحَّ ذلك بخلاف ما تقدَّم من أمثلتهم " .

قوله : { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ } قرأ الأخوان{[19580]} : " لمُنْجُوهمْ " مخففاً ؛ وكذلك خففا أيضاً فعل هذه الصيغة في قوله تعالى في العنكبوت { لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ } [ العنكبوت : 32 ] ؛ وكذلك خففا أيضاً قوله فيها : { إِنَّا مُنَجُّوكَ } [ العنكبوت : 33 ] فهما جاريتان على سننٍ واحدٍ .

وقد وافقهما ابن كثير ، وأبو بكر على تخفيف : " مُنجوكَ " كأنهما جمعا بَيْنَ اللغتين ، وباقي السبعة بتشديد الكل . والتخفيف والتشديد لغتان مشهورتان من : نَجَّى وأنْجى ، وأنزلَ ، ونزَّل ، وقد نطق بفعلهما ، قال : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ } [ العنكبوت : 65 ] وفي موضع { أَنجَاهُمْ } [ يونس : 23 ] .


[19578]:سقط من: ب.
[19579]:ينظر: الدر المصون 4/301.
[19580]:ينظر: الحجة 384، الإتحاف 2/178، والحجة للفارسي 5/48، والقرطبي 10/25، والتيسير 136، والبحر 5/448.