ثم ها هو ذا المشهد يقترب من نهايته . والمعركة تصل إلى ذروتها . . إن موسى وقومه أمام البحر ليس معهم سفين ولا هم يملكون خوضه وما هم بمسلحين . وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون !
وقالت دلائل الحال كلها : أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم :
( قال أصحاب موسى : إنا لمدركون ) . .
وبلغ الكرب مداه ، وإن هي إلا دقائق تمر ثم يهجم الموت ولا مناص ولا معين !
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىَ إِنّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاّ إِنّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْقٍ كَالطّوْدِ الْعَظِيمِ } .
يقول تعالى ذكره : فلما تناظر الجمعان : جمع موسى وهم بنو إسرائيل ، وجمع فرعون وهم القبط قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَمُدْرَكُونَ أي إنا لملحقون ، الاَن يلحقنا فرعون وجنوده فيقتلوننا ، وذُكر أنهم قالوا ذلك لموسى ، تشاؤما بموسى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قلت لعبد الرحمن فَلَمّا تَرَاءَى الجَمْعانِ قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَمُدْرَكُونَ قال : تشاءموا بموسى ، وقالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ، ومن بعد ما جئتنا .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَلَمّا تَرَاءَى الجَمْعانِ فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد رمقهم قالوا إنّا لَمُدْرَكُونَ . قَالُوا يا موسى أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أنْ تأتِيَنَا ، وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا ، إنا لمدركون البحر بين أيدينا ، وفرعون من خلفنا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قال : لما انتهى موسى إلى البحر ، وهاجت الريح العاصف ، فنظر أصحاب موسى خلفهم إلى الريح ، وإلى البحر أمامهم قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلاّ إنّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى الأعرج إنّا لَمُدْرَكُونَ ، وقرأه الأعرج : «إنّا لَمُدّرَكُونَ » كما يقال نزلت ، وأنزلت . والقراءة عندنا التي عليها قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فلما تراءى الجمعان} يعني: جمع موسى، عليه السلام، وجمع فرعون، فعاين بعضهم بعضا، {قال أصحاب موسى إنا لمدركون}، هذا فرعون وقومه لحقونا من ورائنا وهذا البحر أمامنا قد غشينا، ولا منقذ لنا منه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فلما تناظر الجمعان: جمع موسى وهم بنو إسرائيل، وجمع فرعون وهم القبط "قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَمُدْرَكُونَ "أي إنا لملحقون، الآن يلحقنا فرعون وجنوده فيقتلوننا، وذُكر أنهم قالوا ذلك لموسى، تشاؤما بموسى...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فلما تراءى الجمعان} جمع موسى وجمع فرعون، أي رأى بعضهم بعضا {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} {قال} موسى {قال كلا إن معي ربي سيهدين}. كان قوم موسى لم يعلموا بالبشارة التي بشرها الله موسى أنهم لا يدركون، وهو ما قال: {لا تخاف دركا ولا تخشى} [طه: 77] أي لا تخاف دركهم، ولا تخشى فرعون وقومه. لذلك قالوا: {إنا لمدركون}. وكانت البشارة لهم لا لموسى خاصة. يدل على ذلك قول موسى {كلا إن معي ربي سيهدين} على إثر قولهم {إنا لمدركون} أي كلا إنهم لا يدركونكم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
فلما لحق فرعون بجمعه جمع موسى وقرب منهم ورأت بنو إسرائيل العدد القوي وراءهم والبحر أمامهم ساءت ظنونهم وقالوا لموسى عليه السلام على جهة التوبيخ والجفاء {إنا لمدركون} أي هذا رأيك، فرد عليهم قولهم وزجرهم وذكر وعد الله له بالهداية والظفر.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فلما تراءى الجمعان} أي صارا بحيث يرى كل منهما الآخر {قال أصحاب موسى} ضعفاً وعجزاً استصحاباً لما كانوا فيه عندهم من الذل، ولأنهم أقل منهم بكثير... وكأنه عبر عنهم ب "أصحاب "دون "بني إسرائيل" لأنه كان قد آمن كثير من غيرهم: {إنا لمدركون} أي لأنهم قد وصلوا ولا طريق لنا وقد صرنا بين سدين من حديد وماء، العدو وراءنا والماء أمامنا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم ها هو ذا المشهد يقترب من نهايته. والمعركة تصل إلى ذروتها.. إن موسى وقومه أمام البحر ليس معهم سفين ولا هم يملكون خوضه وما هم بمسلحين. وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون! وقالت دلائل الحال كلها: أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم: (قال أصحاب موسى: إنا لمدركون).. وبلغ الكرب مداه، وإن هي إلا دقائق تمر ثم يهجم الموت ولا مناص ولا معين!.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَلَمَّا تَراءى الْجَمْعَانِ} ودنا بعضهم من بعض، وأبصر بعضهم بعضاً، {قَالَ أَصْحاَبُ مُوسَى} الذين عاشوا القهر والاستعباد من فرعون حتى تأصَّل الخوف في نفوسهم، وتعمّق الرعب منه في قلوبهم، ففقدوا الثقة بأنفسهم، وابتعدوا عن التفكير في قوّة الله من فوقهم، {إِنَّا لَمُدْرَكُون} فسيدركنا فرعون بجنوده وسيقبضون علينا ويقتلوننا أو يرجعوننا إلى العبودية من جديد.