البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَلَمَّا تَرَـٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ} (61)

{ فلما تراءى الجمعان } : أي رأى أحدهما الآخر ، { قال أصحاب موسى إنا لمدركون } : أي ملحقون ، قالوا ذلك حين رأوا العدوّ القوي وراءهم والبحر أمامهم ، وساءت ظنونهم .

وقرأ الأعمش : وابن وثاب : تراي الجمعان ، بغير همز ، على مذهب التخفيف بين بين ، ولا يصح القلب لوقوع الهمزة بين ألفين ، إحداهما ألف تفاعل الزائدة بعد الفاء ، والثانية اللام المعتلة من الفعل .

فلو خففت بالقلب لاجتمع ثلاث ألفات متسقة ، وذلك مما لا يكون أبداً ، قاله أبو الفضل الرازي .

وقال ابن عطية : وقرأ حمزة : تريء ، بكسر الراء ويمد ثم يهمز ؛ وروى مثله عن عاصم ، وروي عنه أيضاً مفتوحاً ممدود ، أو الجمهور يقرؤونه مثل تراعى ، وهذا هو الصواب ، لأنه تفاعل .

وقال أبو حاتم : وقراءة حمزة هذا الحرف محال ، وحمل عليه ، قال : وما روي عن ابن وثاب والأعمش خطأ . انتهى .

وقال الأستاذ أبو جعفر أحمد ابن الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري ، هو ابن الباذش ، في كتاب الإقناع من تأليفه : تراءى الجمعان في الشعراء .

إذا وقف عليها حمزة والكسائي ، أما لا الألف المنقلبة عن لام الفعل ، وحمزة يميل ألف تفاعل وصلاً ووقفاً لإمالة الألف المنقلبة ؛ ففي قراءته إمالة الإمالة .

وفي هذا الفعل ، وفي راءى ، إذا استقبله ألف وصل لمن أمال للإمالة ، حذف السبب وإبقاء المسبب ، كما قالوا : صعقى في النسب إلى الصعق .

وقرأ الجمهور : لمدركون ، بإسكان الدال ؛ والأعرج ، وعبيد بن عمير : بفتح الدال مشددة وكسر الراء ، على وزن مفتعلون ، وهو لازم ، بمعنى الفناء والاضمحلال .

يقال : منه ادّرك الشيء بنفسه ، إذا فني تتابعاً ، ولذلك كسرت الراء على هذه القراءة ، نص على كسرها أبو الفضل الرازي في ( كتاب اللوامح ) ، والزمخشري في ( كشافه ) وغيرهما .

وقال أبو الفضل الرازي : وقد يكون ادّرك على افتعل بمعنى أفعل متعدياً ، فلو كانت القراءة من ذلك ، لوجب فتح الراء ، ولم يبلغني ذلك عنهما ، يعني عن الأعرج وعبيد بن عمير .

قال الزمخشري : المعنى إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد ، ومنه بيت الحماسة :

أبعد بني أمي الذين تتابعوا *** أرجى الحياة أم من الموت أجزع